خلفت حادثة وفاة طفلين شقيقين اختناقا أول أمس، بعد نشوب حريق في منزل ببوذراع صالح بقسنطينة، استياء وحزنا كبيرين لدى سكان الولاية وخاصة وسط أبناء الحي، وقد عادت النصر إلى مكان الحادث لتروي تفاصيل هذه المأساة وتنقل مشاهد عن آخر اللحظات قبل مفارقة الضحيتين للحياة. عندما زرنا المكان أمس، كانت آثار الحريق ما تزال ظاهرة على الجدار الخارجي للسكن المكون من غرفة واحدة والواقع في الطابق الأول لعمارة مهجورة في حي بوذراع صالح، وقد لمحنا ألعاب الطفلين جاد عبد الوهاب صاحب الخمس سنوات وإسلام فراس ذي الأربع سنوات، منها دراجة هوائية صغيرة بقيت في مكانها بإحدى الزوايا فيما فارقها صاحباها دون رجعة. تحدثنا إلى ميكانيكي يعمل أسفل الشقة بمحله التجاري، حيث أخبرنا أنه شارك في عملية إخراج الطفلين من الشقة المحترقة، وقال بتأثر كبير، «لقد كنت أمارس عملي على غرار ما أقوم به يوميا، لأتفاجأ بأحد زبائني ينبهني بخروج دخان كثيف من إحدى الشقق. في البداية صدمت خاصة وأن العمارة تقطنها سيدة أربعينية وطفلاها فقط». وأكد محدثنا أن والدة الطفلين غادرت الشقة في حدود الساعة الواحدة زوالا، من أجل اقتناء بعض الأغراض، لينشب الحريق بعد مغادرتها بدقائق، ليواصل سرده لتفاصيل الحادثة قائلا «تدخلنا في الحين وتم إخماد النار من زميلي الميكانيكي و وجدنا صعوبة بالغة في ولوج الشقة نظرا لكثافة الدخان المنبعث، ما صعب علينا مهمة إخراج الطفلين إلا بعد بضعة دقائق. وجدنا أنهما في حالة غيبوبة وخاصة بالنسبة للطفل جاد صاحب الخمس سنوات، لتصل مباشرة سيارة الإسعاف ويتم نقله إلى مستشفى البير إلا أنه لفظ أنفاسه بعد 10 دقائق فقط». وبينما تتواصل تحقيقات الأمن في أسباب الحادثة، يرجح من تحدثنا إليهم بالمكان، أن يكون الحريق قد نتج عن شرارة كهربائية خاصة أن عددا من الشقق تعرض للاحتراق في السابق للسبب ذاته، علما أنها كانت شاغرة في الأساس بعد ترحيل قاطنيها من قبل، وتم استغلالها مرة أخرى من طرف عائلات أخرى قامت بربط المنازل بالتيار عبر أسلاك موصولة بالأعمدة الكهربائية. وقال توفيق وهو كهل ذكر أنه كان يتكفل بالسيدة وطفليها ويشرف على أمور العائلة، إنه سارع نحو الشقة من أجل إخماد الحريق وإنقاذ الطفلين إلا أنه لم يتمكن من الولوج بسبب الباب الحديدي بالمنزل، واضطر للعودة بحثا عن الأم، والتي صادفها عائدة إلى السكن، ليقوم بجلب المفاتيح ويتوغل بسرعة داخل الشقة التي انبعث منها دخان كثيف، حيث تم إخراج الطفل الأول ثم الثاني، وهما في حالة إغماء موضحا أن الأكبر كان في غيبوبة، فيما كان الثاني في حالة غثيان، مؤكدا أنهما لم يتعرضا لأي حروق أو جروح جراء الحريق وإنما لاختناق نجم عن الدخان الكثيف. وأضاف المتحدث أن الطفلين عاشا ظروفا صعبة منذ ولادتهما، كما هو الحال مع والدتهما التي كانت تقطن في شقة مجاورة تعرضت للاحتراق أيضا، ليتابع وقد اغرورقت عيناه بالدموع «آخر كلمة نطقها الطفل الصغير إسلام فراس هي يا بابا». وأكد جيران الطفلين جاد وفراس أنهما محبوبان لدى الجميع، فالأكبر كان خجولا بينما عُرف فراس بمرحه وذكائه الشديد، حتى أنه يفضل مجالسة من هم أكبر منه وخاصة الكهول والشيوخ، وظهرت علامات الحزن على سكان الحي الذين لم يصدق بعضهم أن الطفلين ذهبا دون رجعة بعد حياة دامت لبضع سنوات. وطالب سكان الحي بتدخل السلطات من أجل وضع حد لمشكلة عمارات بوذراع صالح المهجورة، وذلك بهدمها، وهو الإجراء الذي لم يتخذ منذ آخر ترحيل لقاطنيها السابقين قبل حوالي 8 سنوات.