السل الذي أصاب 9 أفراد من عائلة بأولاد عطية نقله أحد أفرادها من عنابة أثار مؤخرا خبر إصابة 9 أفراد من عائلة واحدة بداء السل بقرية “أزاقور” ببلدية أولاد عطية بأعالي جبال القل بولاية سكيكدة حالة طوارئ و كثير من المخاوف لدى السكان ، مما دفعنا لمعرفة الأسباب التي تقف وراء عودة هذا المرض المصنف في خانة مرض الفقراء في الوقت الذي كان يخيل فيه لعامة الناس أن هذا الداء قد ذهب دون رجعة ، وأنه من حكايات الماضي ارتبط بفترة الاستعمار و معاناة سكان الأرياف من ظروف اجتماعية مزرية . هذه الإصابات الحديثة التي مست عدة أفراد من عائلة واحدة ، جعلتنا نشد الرحال نحو جبال أولاد عطية للبحث عن مسكن الضحايا. وبعد بحث مضني انتقلنا فيه عبر الطريق الولائي رقم 132 الرابط بين القل والميلية بولاية جيجل انطلاقا من القل مرورا ببلديات المصيف كالشرايع و الزيتونة وصلنا إلى بلدية أولاد عطية. وبعد السؤال عن البيت الذي تقطنه العائلة المصابة أشار إلينا بعض من التقينا بهن بأنه يتواجد بقرية “أزاقور” على بعد حوالي3 كلم عن مقر بلدية أولاد عطية . وبالنظر لخصوصيات وطبيعة سكان المنطقة المحافظين استعنا بدليل من أهلها من أجل الدخول إليها ، و اتصلنا برئيس البلدية الذي انتقل معنا إلى مكان تواجد مسكن “عمي حسين صياد “ رب العائلة للوقوف على حقيقة معاناتها . وقد تفاجأ رئيس البلدية عند استقباله لنا بمكتبه بعدما كشفنا له عن المهمة التي جئنا من أجلها، حيث اعترف لنا بأنه لم يسمع عن مرض أفراد العائلة إلا بعد قراءة الخبر عبر الجرائد ، مشيرا في نفس الوقت إلى أن الكثير من التهويل أحيط بالحادث ، موجها اللوم للمصالح الصحية لعدم إشعار البلدية من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة من جهتها . كما تفاجأ “المير “ للمعلومات الدقيقة التي بحوزتنا عن عدد أفراد العائلة والظروف الاجتماعية التي يعيشونها ،فاكتفى بالقول أنه يعرف فعلا رب العائلة وهو حسين صياد ، وأنه يعمل بناء ويعاني من ظروف اجتماعية سيئة لأن فرص العمل قليلة بالمنطقة ، و هو يعيل 9 أفراد ( الأب والأم و7 أولاد ) مشيرا إلى أن عمي حسين البالغ من العمر 52 سنة يسكن في بيت محترم و ليس في كوخ كما ذكر في وسائل الإعلام ، وأنه حسبه قد استفاد من سكن ريفي في الحصة الجديدة ، ومن المنتظر أن يقوم ببناء مسكن جديد ، مستبعدا أن تكون حالة المسكن الحالي الذي يقيمون فيه السبب في إصابة أفراد العائلة بداء السل . وعند انتقالنا رفقة رئيس البلدية إلى قرية “أزقور” التي تبعد بحولي 3 كلم عن مقر أولاد عطية وجدنا “عمي رابح” أخ رب العائلة في استقبالنا ، وبابتسامة عريضة تكشف أصالة وطيبة أهل المنطقة استقبلنا ، وبعد الكشف عن هويتنا والمهمة التي جئنا من أجلها أطمأن للحديث معنا ، وراح يسرد لنا تفاصيل هذه المأساة التي ،حيث أشار إلى أن النوع الذي أصاب أفراد عائلة أخيه حسين ليس بالنوع الخطير ، وأن الشفاء بعون الله سيكون قريبا لجميع أفراد العائلة. وكشف عمي رابح أنه كان أول ضحية لداء السل عندما كان يعمل سنة 1958 في فترة الاستعمار بمدينة سكيكدة مع المعمرين المالطيين ، حيث عانى مع هذا المرض لعدة سنوات ولم يشف منه إلا بعد الذهاب سنة 1962 إلى فرنسا للعلاج . وأنه منذ ذلك الحين و إلى غاية الآن، وهو يبلغ اليوم من العمر 72 سنة لم يعاوده المرض . انتقلنا بعدها إلى بيت أخيه حسين الذي كان يتواجد به الابن( أيمن )14 سنة وإحدى أخواته ، وأمام العادات المحافظة للمنطقة اكتفينا بالوقوف عند عتبة الباب في الوقت الذي استمر فيه عمي رابح في سرد تفاصيل إصابة عائلة أخيه بالمرض . فأخبرنا أن أخيه حسين توفيت زوجته الأولى قبل 9 سنوات وتركت له 7 أولاد ، قبل أن يعيد الزواج مرة ثانية ، ويتزوج من أختها التي مازالت تعيش حاليا معهم . والأسرة المصابة بداء السل تضم 4 بنات منهن اثنتان متخرجتان من الجامعة ( نوال 24 سنة ) وسهام ( 23 سنة ) ثم ابتسام (20 سنة ) تدرس في السنة الثانية ثانوي وفايزة ( 16 سنة ) في السنة الأولى ثانوي ، وثلاثة ذكورهم علي ( 19 سنة ) دون عمل و أيمن ( 14 سنة ) يدرس بالمتوسط وعبد المالك ( 9 سنوات ) الذي توفيت أمه وهو في المهد يدرس بالابتدائي ، وهذا الأخير يعيش حاليا مع خاله وهو الوحيد الذي لم يكن ضمن أفراد العائلة الذين كانوا محل متابعة للكشف عن أمكانية إصابتهم بالداء . ولم يستبعد العم أن تكون إصابة الابن الأكبر ( علي ) سبب نقل داء السل إلى بقية أفراد العائلة ، لأنه كما أخبرنا كان منذ 4 أشهر يعمل بمدينة برحال بولاية عنابة في أحد المطاعم في ظروف سيئة قبل عودته إلى القرية بأولاد عطية . وأكد أن 4 أفراد فقط من العائلة دخلوا المستشفى ، وهم الأب حسين وابتسام و سهام تلقوا العلاج بمستشفى القل ونوال نقلت للعلاج بمستشفى عنابة ، وعاد بقية الأفراد للمنزل بعد الكشف. وقال عمي رابح أن الأولاد يسكنون داخل غرفة مشتركة قد تكون السبب في انتشار الداء، في حين يتحدث بعض الجيران أن يكون التستر على المرض وعدم التشخيص المبكر ساهم في انتشار الداء . و أرجع مصدر من المصالح الصحية بأولاد عطية تسجيل حالات جديدة من داء السل إلى عدم الوعي والتستر عن المرض في بدايته، وعدم التشخيص والمتابعة، إضافة إلى الظروف الاجتماعية التي تعانيها العائلات المتضررة. وأكد بأن المصالح الصحية لا تعاني أي نقص من حيث اللقاحات والأدوية وأن الحالات المسجلة محدودة ببلدية أولاد عطية. تراجع في حالات الإصابة حسب مديرية الصحة و كشفت المصالح المختصة لداء السل بمديرية الصحة لولاية سكيكدة عن تراجع في حالات الإصابة بداء السل مقارنة بالسنوات الماضية حيث ذكر تقرير لها لسنة 2009عن تسجيل 568 حالة مختلفة منها 230 حالة صدرية . واحتلت المؤسسة الإستشفائية للصحة الجوارية بدائرة سكيكدة الصدارة بتسجيلها 214 حالة ، تليها دائرة الحروش الواقعة شرق الولاية ب 102 حالة فيما توزعت 252 حالة عبر 11 دائرة أخرى. وسجلت ذات المصالح 03 وفيات خلال نفس السنة منها حالتان بدائرة سكيكدة. كما أكدت ذات المصالح أن النساء أكثر عرضة لهذا المرض من الرجال لأنهن لا يشخصن حالتهن بصفة منتظمة، أما الحالات الصدرية فنصف العدد عند الرجال والنساء 319 حالة عند الإناث و117 للرجال. وعن نسبة العلاج بالولاية تقدر ب 74 بالمائة، مقابل 85 بالمائة وعلى المستوى الوطني، حيث سجلت ذات المصالح خلال سنة 2009، 60 حالة لكل 100 ألف ساكن. كما أرجعت مصلحة الطب الوقائي أسباب انتشار داء السل إلى ضعف القدرة الشرائية للسكان وتسريح العمال بالإضافة إلى انتشار الفقر وسط مختلف الأسر السكيكدية والتهميش وضيق المسكن وهذا رغم تخصيص 36 قاعة علاجية للكشف عن الأمراض الصدرية عبر ربوع الولاية. كما طالب أهل الاختصاص بتدعيم الطبقة الفقيرة وهذا بمنحها مناصب عمل من أجل أن تساهم في تحسين المستوى المعيشي للسكان مع ضرورة التشخيص المبكر لهذا الداء.