بات المعرضُ الدوليّ، فرصة حياةٍ للكتاب وصاحبه وناشره والماشي بينهما، لذلك يكاد الاهتمامُ بالكتاب يتوقّف عند هذه الفترة من السنة، ولا لوم على جميع المتدخّلين في هذا النّشاط المهدّد، ليس بسببِ غلاء الورق ولكن بسببِ ندرة "المستهلك"، والقدرة الشرائيّة بريئة، بكلّ تأكيد، لأنّ سعر رواية جيّدة، مثلًا، أقل أو يُعادل أسعار سلعٍ مضرّة بالصّحة تُباع على نطاقٍ واسعٍ نقوم بشرائها في أغلب الأحيان بطريقة آلية ومن دون تفكير. و حتى وإن كنا لا نتمنى وقوع المستهلك في حالةِ مُفاضلةٍ بين "السلعتين"، إلا أنّ الأرقام لن تكون في صالح الرواية عند إجراء هذه المقارنة المجنونة لقيّاس توجّهات المستهلكين. وليست هذه دعوة لاستبدال الأكل بالقراءة، إذ يمكن ممارستهما معًا في حالِ نجح المُستهلكُ في موازنة الغذاء، فيقلّل من السكريات والمواد الدسمة، ويدرك أن ثمة أشياء مهمّة ولذيذة أيضًا كالتعلّم والمعرفة، وأنّ هناك تغذيّة أخرى تفيده وتفيد أسرته ولا بدّ من إدراجها في قائمة المقتنيات والعادات، كشراء الكُتب وارتياد المسارح والمتاحف، ويمكن اقتطاع وقت ذلك من وقت الجلوس في المقاهي أو الوقوف على الأرصفة. ولا يمكن اتهام الأكل، هنا بعرقلة القراءة، لأن هناك مجتمعات تنتشر فيها ظاهرة السّمنة وتباع فيها الكُتب بملايين النّسخ! يبدو استدراج عادات من هذا النّوع إلى يومياتنا أمرًا صعبًا، لكنّه ممكنٌ بانخراط المؤسّسات التعليميّة ووسائل الإعلام في التحريض عليه، وبمنح المشتغلين في حقول الأدب والنّشر التّقدير الاجتماعيّ ودعم المجموعة الوطنيّة، لأنّ الأمر يتعلّق بتنميّة مُستدامة تستهدف الإنسان، الذي كثيرا ما أغفلناه ونحن نتكفّل بحاجاته، ونوجه مقدرات هائلة لذلك، ويمكن لمعادلة بسيطة أن تقلّل التكاليف، فبناء الإنسان "العارف" يوفر الجهد و يجنّب الأضرار الناجمة عن سوء التصرّف الذي يتسبّب فيه غياب المعرفة. كما أنّ الأمراض الاجتماعيّة والمشكلات الاقتصادية يمكنُ تفاديها بحسن التدبير الذي تجود به المعارف المحصّلة من التعلّم بما فيها التي تتمّ خارج دوائر التعلّم الرسمية، أي من القراءة التي تؤشر، أيضًا، إلى المستوى الحضاري للشعوب والأمم التي تحتاج لضمان مناعتها وتفوّقها ولعب أدوار على المسرح الكوني إلى إنتاج واستهلاك الكُتب.