قرّر محمد ابن العاصمة، البالغ من العمر 30 سنة، أن يُغادر وظيفته سنة 2022 بعد أن درس سنوات في الجامعة، حتّى يتفرّغ بشكل كُلّي لمشروع قائم على التعريف بالأجبان الجزائرية و الترويج لها، من خلال مد جسر تسويقي بين الحرفيين و الزبائن الذين زاد اهتمامهم بهذه المنتجات الطبيعية المصنعة بطرق تقليدية تمنح للذوق خصوصية و تزيد تميزه، حيث يبدع في تقديم مختلف الأنواع محلية الصنع بطريقة ذكية عبر فيديوهات وصور ينشرها عبر حسابه على إنستغرام. قال لنا، بأن مشروعه وليد الصدفة، فقد أراد يوما أن يشرب فنجان قهوة منكهة ولأنها لم تكن متوفرة في الأسواق، قرر أن يبتكرها بنفسه، فانطلق في البحث عن معلومات تفيده حول لموضوع، وبعدما توفرت لديه المعطيات المطلوبة نزل إلى السوق واقتنى كمية من القهوة ساعدته أمه على انتقائها و تحميصها قبل أن يضيف إليها الكراميل، لتكون تلك أول تجربة ناجحة أعجبته و حققت رواجا بين أفراد أسرته. بعد التجربة الأولى، انتقل إلى تحضير قهوة طبيعية بدون مواد حافظة بأذواق مختلفة على غرار البندق والفستق وجوز الهند وماء الزهر و القرفة وتوت العليق، ثم أعد تصميما لعلامته التجارية، وبدأ الترويج لها عبر إنستغرام، ليحقق ما يزيد عن 17 ألف متابع في ظرف وجيز، حيث أصبح منتجه معروفا ومطلوبا. في بداية أكتوبر 2022، قرر التخلي عن الوظيفة و التفرغ لإدارة مشروعه الخاص والتركيز على تطويره، فركز على التسويق عبر المنصات التفاعلية و كثف مشاركاته في المعارض الحرفية بالقرية البيداغوجية بزرالدة والمراكز التجارية بالعاصمة، للتعريف بمنتجه أكثر وتكوين علاقات جيدة مع الزبائن والمهتمين. قال إنه لم يجد صعوبة في التسويق بداية، وذلك بحكم خبرته في المجال الذي قضى سنوات في دراسته والعمل فيه، إذ كان يخصص وقتا لتفحص بريده والإجابة على الرسائل، ووقتا آخر لتصوير المنتجات وإعداد مقاطع فيديو ونشرها مرفقة بنصوص إعلانية أو عبارات ملفتة، ومن بين الفيديوهات التي شاركها الصانع مع متابعيه قصة بدايته تحت عنوان « الحاجة أم الاختراع». قررت التوسع بفتح محل للأغذية الطبيعية محلية الصنع ولم يتوقف محمد عند تحضير وبيع القهوة، ففي أوت 2023 باشر التّفكير في فتح محلّ لبيع منتوجاته الخاصة، إلى جانب منتجات أخرى يعدّها حرفيون غيره تعرف عليهم في المعارض، وجد تصوره عبر فتح محل بحي سعيد حمدين، عرض فيه أنواعا مختلفة من المنتجات الغذائية الصحية والطبيعية الخالية من المواد الحافظة و المضافات وجمع في المكان أعمال 35 صانعا وحرفيا ومنتجات مختلفة على غرار العسل والمربى بأنواعه والقهوة المنكّهة والبسكويت و خليط المكسرات والشوفان والهريسة والموطارد والطماطم المركزة والزبادي والكاتشاب والثومية وصلصات أخرى جزائرية، إلى جانب الكعك ومعجون الفلفل و الخضر المخللة. وتميز المحلّ بما يعرضه على زبائن العاصمة، من أجبان جزائرية مختلفة صحية وطبيعية وذات جودة عالية، يُعدِّها حرفيون بمعايير عالمية كما قال، حيث يوفر كميات معتبرة من المنتجات التي يطلبها الزبائن بكثرة، خاصة الأجبان الجديدة وطازجة و الطرية و كذا الأجبان المضغوطة و كريمة الجبن، إلى جانب أجبان محلية تقليدية، على غرار جبن القفص الذي أخذ تسميته من الحلفاء التي تغلفه وهو نوع تشتهر به منطقة بوسعادة، وكذا جبن الأعشاب الطبيعية. شهرة تعدت حدود الوطن وقال المتحدث، إن زبائن أجانب من فرنسا وسويسرا وأوروبا عموما، يقصدون محله للحصول على الأجبان الجزائرية، نظرا لجودتها خاصة وأنها من الأطعمة التي يستهلكونها بكثرة، حيث أوضح لنا، بأن غالبية زبائنه الأجانب يؤكدون له في كل مرة بأن الطعم و النوعية لا يختلفان عما يستهلكونه عادة من منتجات مستوردة أو في بلدانهم، مضيفا أن الأجبان تلقى اهتماما كبيرا من قبل العاصميين و مواطنين من ولايات أخرى، يتواصلون معه بشكل دائما لطلب منتجات مختلفة عبر حساب الإنستغرام، وهو ما دفعه للتفكير في التوسع وفتح فروع أخرى عبر الوطن، حتى يتسنى لمتابعيه الحصول على القطع الشهية التي يعرضها في المحل. كما يعرض كذلك تشكيلة من الأجبان في صحن واحد وهو أكثر منتج يتميز به محله، إذ يعدها بنفسه ويختار الأنواع والأذواق التي تتناسب مع بعضها لأجل تجربة تذوق فريدة، تكلف من 1500 إلى 2000 دينار، وتصل إلى 4900 دينار أو أكثر في بعض الأحيان، خاصة إذا تعلق الأمر بطلبية لأجل حفل خطوبة أو عقد قران شرعي. الاجتهاد ضروري للنجاح في أي مشروع وينصح محمد، كل راغب في إطلاق مشروعه الخاص أن يتمسك بوظيفته إلى حين إطلاق مشروعه ودراسة السوق والنظر في مدى الإقبال على ما يعرضه من خدمات، مع وجوب التحلي بالصبر والعزيمة، علما أن العمل في مجال الحرف و التسويق ليس سهلا بل يتطلب تنظيما صارما للوقت للانتقال من تحضير القهوة إلى الترويج لها ولغيرها من المنتجات كالأجبان.