يحول العديد من ملاك قوارب الصيد و النزهة بجيجل، نشاطهم إلى متعة في رمضان، و يصبح الخروج إلى عرض البحر لأجل صيد الأسماء فسحة ونزهة وليس مجرد عمل، لأن التجربة تأخذ بعدا مسليا خلال أيام الصيام، كونها تساعد على تمضية الوقت و تجديد الطاقة بفضل نسيم الساحل وزرقة السماء والماء. ك. طويل صيد للترفيه يعد الصيد الترفيهي من الأنشطة المستحبة التي يمارسها هواة ومحترفون بجيجل، خصوصا من يملكون القوارب، و بالرغم من مشقة الصيام وارتفاع درجة الحرارة في الآونة الأخيرة، إلا أن نشاطهم دائم و حيويتهم لا تنضب، حيث يقصد البعض البحر في الصباح الباكر بعد صلاة الصبح مباشرة، ويفضل آخرون فترة ما بعد صلاة الظهر، لكن ورغم اختلاف التوقيت يوحدهم الشغف بالبحر وعشق الصيد و تحدي الأمواج. تعتبر ولاية جيجل من بين الولايات الساحلية التي تسجل عدد معتبرا من ملاك قوارب الصيد و النزهة، كون البيئة الجيجلية منذ القدم معروفة بحب الفرد للبحر و تعلقه به لدرجة أن هناك من يترددون عليه يوميا حاملين صنارة ودلوا لممارسة هواية الصيد، و يعد الغوص في أعماق البحر انطلاقا من القوارب، من بين الهوايات الشائعة في المنطقة و بين شبابها وهي أنشطة يزيد الاهتمام بها والاقبال عليها في رمضان كما في الصيف. الرحلة تبدأ بعد صلاة الصبح تشهد موانئ الصيد و النزهة بالولاية، حركية ملحوظة بعد صلاة الفجر خلال أيام رمضان، فملاك القوارب يتفقون على الخروج إلى عرض البحر في هذا الوقت تحديدا، طلبا للراحة بعيدا عن ضوضاء المدينة والأحياء التي تغزوها التجارة و تكسر أصوات الباعة هدوءها، ولأجل الصيد كذلك. قال مراد أحد هؤلاء الشباب، إنه يقصد الميناء مباشرة بعد التسحر والصلاة، يتفقد قاربه رفقة صديقه ثم يتجهان بعد ذلك نحو الجهة الغربية من المدينة لصيد بعض الأسماك باستخدام «القصبة» أو يدويا بواسطة الخيط، مؤكدا أنه بالرغم من صعوبة الصيد في شهر الصيام إلا أن متعة التجول في البحر تنسيه مشقة العطش و الجوع، معلقا :» أحب صيد السمك منذ الصغر، و هي هواية ورثتها عن والدي رحمه الله، علمني الكثير من فنيات الصيد بالقصبة، و قد كنت دائما من المولعين بالصيد على الشاطئ أو في البر كما نقول، وأقصد هنا الشواطئ الصخرية مثل كيسير و الكاريار، ومع مرور الوقت تعلمت الكثير، لكن الضجيج الذي يطغى على الشواطئ الصخرية بسبب كثرة الحركة، دفعني لمغادرتها وهكذا اشتريت قاربا للنزهة و الصيد، وقد اكتشفت متعة كبيرة في ركوبه و شق الأمواج بعيدا عن الناس و الحركة». يواصل: « للصيد بالقارب نكهة خاصة لا يمكن وصفها، لأنه يسمح لك بالتوغل في البحر لمسافة بعيدة و اكتشاف ما يخفيه هذا المارد الأزرق الكبير، وهي ممتعة تتضاعف خلال شهر رمضان، حيث تزداد حلاوة الصيد و قضاء الوقت في التنزه، وهكذا أقسم وقتي خلال أيامه بين الصيد و العبادة و العائلة». متعة لا تخلو من المشقة قررنا قضاء الوقت رفقة صيادين، فاتفقنا مع رئيس جمعية الصيادين للسياحة و النزهة بجيجل، على تنظيم خرجة خاصة، وقد كان موعدنا بعد زوال يوم رمضاني طويل. وصلنا إلى ميناء بوالديس في الوقت المتفق عليه، و قد لاحظنا حركية كبيرة لملاك القوارب حينها، إذ كان الجميع منشغلين بتفحص المراكب و تفقد مستلزمات الصيد. بعد خروجنا من الميناء، رمى أحد الصيادين خيط الصيد و ظل ينتظر ما سيجود به البحر، في ذلك الوقت جمعنا به حديث قال خلاله « إن عملية الصيد تبدأ مباشرة بعد مغادرة الميناء، وتستمر على امتداد المسار المحدد باتجاه نقطة تلاق يتم الاتفاق عليها مسبقا، وهي منطقة تبعد عن المرفأ بحوالي نصف ساحة تقريبا». وصلنا إلى المكان المطلوب وبدا جليا بأننا بلغنا عرض البحر، إذ كانت مدينة جيجل تبدو كاملة جميلة كعروس تتربع على اليابسة، هناك بدأ مرافقونا في وصف المشهد، والإشارة إلى كل مكان باسمه مع تحديد الشوارع و المعالم من بعيد. قام قائد المركب بإيقاف المحرك و أخبرنا بأن وقت الصيد قد بدأ، حيث تجمعت ثلاثة قوارب في نفس النقطة، و كان كل راكب يحمل وسلية للصيد، سواء قصبة أو خيط الصيد، رمى كل واحد صنارة بها طعم وانطلقت مغامرة الترقب و القنص. بعد مرور دقائق، تمكن أحد الصيادين من صيد سمكة، وقد كانت الوحيدة التي اصطيدت طيلة نصف ساعة من التمركز في تلك النقطة، فقرر الرجال تغيير المكان، علق مرافق لنا عن الأمر قائلا :» نأتي هنا لقضاء وقت من الراحة و الاستجمام، وقد يحدث أن نقضي ساعات دون أن نصطاد سمكة واحدة، فالمتعة تكمن في الصبر و تحمل مشقة الصيام من أجل الحصول على ما تريده، هناك إحساس رائع ينتابك حين تمسك بسمكة أخيرا». يسترسل في حديثه: « شخصيا أفضل الصيد بواسطة القارب بدل الجلوس على الشواطئ الصخرية، الصيد في العمق له متعة لا يمكن وصفها، رغم أنني أقضي ساعات من الزمن أحاول الظفر بسمكة. تكون هذه المتعة أكبر خلال رمضان، لأن الخروج إلى البحر يساعد على قضاء الوقت في شيء مناسب و مفيد، حيث أستمتع و أجتهد لأحصل على قوت اليوم، فزوجتي تطبخ الأسماك التي أحضرها في كل مرة، كما أتصدق ببعضها على الجيران و الأقارب».لاحظنا أن التركيز على الصنارات كان مطلقا، ورغم مرور ساعات واشتداد الشعور بالعطش، إلا أن الحماس الذي طبع بداية الرحلة لم يخب ذكر أحد الصيادين، بأن التعب و العطش أمران حتميان ولا يمكن تجاهلهما عند الخروج إلى البحر في الأيام الحارة، معلقا « بأن البحر يشعر بذلك، ولذلك يصعب المهمة على الصياد الذي كثيرا ما يهزمه الدوار». بركة الشهر تضاف لسخاء البحر قابلنا أيضا خلال جولتنا، ملاك قوارب قالوا إنهم يفضلون التنزه والاسترخاء فقط، أما الصيد فيكون اختياريا، وهناك من يعتبر الخروج إلى البحر فرصة عائلية للتجمع في رمضان، فيأخذ معه أبناءه أو أفرادا من عائلته الكبيرة للتمتع بنسيم البحر العليل.وحسب ندير نافع رئيس الجمعية، فإن هناك فئتين مختلفتين من الصيادين، فالفئة الأولى تركز على الغلة و هؤلاء يقصدون عرض البحر في ساعات الصباح الأولى بعد الفجر مباشرة، أما الفئة الثانية فتنشط بعد الزوال، و تختلف طريقة الصيد إما عن طريق اليد أو باستعمال القصبة، مع ذلك يتفق الجميع على حب الصيد في رمضان لأن ذلك يساعد على قضاء ساعات الصيام الطويلة بطريقة مختلفة وممتعة، فضلا عن أن للشهر بركته. هواية الصابرين وليس بعيدا عن الميناء، يلاحظ المتجوّل في الشّواطئ الصّخرية بجيجل وجود عشرات الصيادين الهواة، الذين يقصدونها من أجل الاستمتاع بالهواء العليل ولممارسة هواية لا تتطلب منهم سوى قصبة صيد وطعم أما ما يمز هؤلاء، فهو الهدوء الكبير و الصبر والقدرة على تحمل ساعات الانتظار الطويلة للحصول على سمكة واحدة. يزيد عدد الصيادين خلال رمضان، خصوصا على مستوى الشاطئ الصخري بكيسير، حيث يجتمع عشاق الصيد لممارسة هوايتهم المشتركة دون أن يتسلّل إليهم الشّعور بالملل، وهو حال الشاب رضوان، الذي كان منشغلا بتثبيت قصبة الصيد حينما فتحنا حديثا معه، قال لنا بأنه أحب الصيد من الصغر و تعلق به لدرجة كبيرة، وقد كان يرافق والده من أجل التعلم، و مع مرور الوقت أصبح متمكنا وصار يأتي لوحده أو رفقة أصدقائه. أخبرنا، أن عشقه للصيد يزداد خلال شهر الصيام، بحيث يفضل قضاء سويعات من الزمن على الشاطئ بعيدا عن أجواء المدينة الصاخبة خصوصا وأن التجارة تغزوا كل مكان تقريبا، معلقا بأن الصيد فرصة للحصول على بديل للحم و الدجاج، حيث تعوض الأسماك التي يصطادها نقصهما على طاولة الإفطار، معلقا « يمنحني البحر وجبة لذيذة متكاملة من اللحوم البيضاء الجيدة مجانا، فالأسماء تزين مائدتي يوميا وهو ما اعتبره امتيازا».