من القبائلية إلى المالوف .. بامتياز أثارت فرقة الثعالبية من البويرة فضول جمهور المهرجان الوطني للمالوف الذي تهافت على المسرح الجهوي لمتابعة عرض جوق قدم من منطقة القبائل رافعا التحدي و مستعدا للتنافس في عاصمة المالوف قسنطينة. النصر سلطت الضوء على تاريخ جمعية عبد الرحمان الثعالبي ، التي كان لها الفضل في بروز أهم و أرقى الجمعيات الثقافية و الموسيقية . عن تاريخ تأسيس الجمعية يقول رئيس الجوق الأستاذ سعيد بن طاهر، بأن جمعيتهم رأت النور عام 1999 ، حيث اعتمدت منذ البداية عدة نشاطات ثقافية و فتحت عدة ورشات لتشجيع الفنون و الحرف الأصيلة ، و رغم تجربتها الفتية بالموسيقى الأندلسية التي خاضتها منذ 2006 ، إلا أنها برهنت على براعة و حب البويريين للموسيقى الأندلسية بنفس المكانة التي تتبوؤها الموسيقى القبائلية امتدادا للإرث الفني العريق،إذ ساهمت في بعث فرقة الثعالبية التي تعد 20عضوا بين عازف و مؤدي إلى جانب حوالي 40 تلميذا من عشاق الفن الأصيل الشغوفين بتعلم أبجديات و نظم النوبة الأندلسية و ليس هذا فحسب بل راحوا يغترفون من مختلف المدارس بما فيها مدرسة المالوف القسنطينية التي أكد الأستاذ سعيد بن طاهر بأن تلاميذه استساغوا موسيقاها المتميّزة، و تمكنوا في وقت قياسي من أداء توليفات من نوبة المزموم التي شاركوا بها الأسبوع الماضي في الطبعة السادسة للمهرجان الوطني الثقافي للمالوف و هو ما عكس حرصهم على الحفاظ على الموسيقى الأندلسية كموروث ثقافي مهما كان اختلافها. و تعد الجمعية الموسيقية عبد الرحمان الثعالبي «لمدينة الاخضرية» من أهم الجمعيات الثقافية نشاطا على المستوى الوطني، لها عدة مشاركات في مهرجانات وطنية نالت من خلالها إعجاب و تقدير الجمهور الذواق للموسيقى الاندلسية لما وجدوه فيها من احترام لعادات الجوق التقليدي سواء في طريقة العزف، الأداء أو الزي، و هو ما مكنها من افتكاك المراتب الأولى في المهرجان الوطني للموسيقى بباتنة طيلة الأربع سنوات الماضية . و علّق رئيس الجوق قائلا أن فرقة الثعالبية محسوبة على منطقة القبائل موضحا بأن منطقة الأخضرية التي تنتمي إليها الجمعية قريبة جدا من العاصمة و هو ما جعل سكانها أكثر تذوقا لفن الموسيقى الاندلسية و فن الصنعة أكثر من باقي المدارس الموسيقية بما فيها الموسيقى القبائلية. أضاف مسترسلا عن مكانة الموسيقى الاندلسية بالمنطقة متذكرا مشاركة جمعيات عديدة من الأخضرية بالمهرجانات الوطنية المخصصة لهذا الفن العريق بعواصم المدارس الأندلسية، منذ سبعينات القرن الماضي و لو بشكل متقطع، إلى غاية سنوات الثمانينات التي عرفت عودة الغيورين على الموسيقى الأصيلة، الذين حاولوا إعادة بعثها من جديد، و كانت محاولة جمعية الثعالبية من أنجح المحاولات و أكثرها استمرار حتى الآن حسبه، لمثابرتها و اجتهادها في ترسيخ الموسيقى الاندلسية بالمنطقة من خلال المهرجان الوطني للموسيقى الذي تشرف على تنظيمه بهدف إعادة الاعتبار للفن الأندلسي و توسيع مجاله عن طريق الاحتكاك و إنشاء فرق موسيقية كونه يحمل رسالة فنية حضارية ترمي أساسا إلى تهذيب النفوس وتربية الذوق الفني لدى الناشئة فضلا عن المساهمة في تنشيط الحياة الثقافية والفنية. و إن لم تكن ولاية البويرة تحصي الكثير من الأسماء الفنية المتألقة في سماء الموسيقى الاندلسية، فهي تتشرّف بانتساب الشيخ المهدي إليها، فهذا الفنان الذي لا يعرفه الكثيرون كان له الفضل الكبير في الحفاظ على الموروث الفني ، رغم الظروف القاهرة التي عاناها خلال الاستعمار الفرنسي الذي تسبب في ضياع رصيده الفني المعتبر من خلال إتلاف كل ما تعب الفنان في تسجيله بدافع الحفاظ على التراث الأصيل و لحسن حظه حسب الأستاذ بن طاهر دائما أن نجت إحدى الاسطوانات من يد الخراب المستدمر لتبقى شاهدا على براعة و تميّز هذا الفنان و مكانة الموسيقى الاندلسية في مسقط رأسه البويرة. و المعروف عن الشيخ المهدي أنه سافر إلى البليدة من أجل صقل موهبته و تعلم المزيد من النوبات و أسرار الصنعة، قبل أن يسافر إلى فرنسا لتسجيل أعماله الفنية التي للأسف لم يبق منها الكثير، غير أن ورثته في الفن حملوا المشعل عنه و بيّنوا على مدى سنين طويلة بأن البويرة جديرة بأن تنتمي إلى إحدى أهم المدارس الاندلسية «الصنعة»، و ليس هذا فحسب بل برهن أبناؤها على تفتحهم على باقي المدارس من خلال رفعهم التحدي و دخول مسابقة موسيقى المالوف التي كانت لعهود طويلة حكرا على مدينة قسنطينة و ضواحيها بشرق الوطن على وجه الخصوص، حيث أثارت فرقة الثعالبية إعجاب و استحسان الكثيرين بقسنطينة باختيارها نوبة المزموم و أدائها لمصّدر «يا من سكن صدري» و بطايحي «آتاني رسول»... و غيرها من وصلات موسيقى المالوف المعروفة بمادتها النظمية المستمدة من الشعر والموشحات والأزجال التي أضيفت لها لمسات لحنية و نظمية محلية.