مرضى يفرّطون في رواتبهم و"لكناص" تحذّر من سطوة «المتمارضين» روبورتاج: ياسمين بوالجدري تحول في الآونة الأخيرة طلب التعويض عن المرض من صندوق الضمان الاجتماعي للعمال الأجراء بقسنطينة، إلى رحلة طويلة و شاقة قد لا تنتهي بالحصول على التعويضات، و دفعت بالعديد من المواطنين إلى التضحية بأجرهم تحاشيا للتورط في متاهات إدارية صعبة، يبررها صندوق ال «لكناص» بالخشية من سطوة «المتمارضين» على اشتراكات المؤمنين اجتماعيا. «النصر» تنقلت إلى مقر صندوق الضمان الاجتماعي للعمال الأجراء «كناس» بحي المنظر الجميل وسط المدينة، و قضت ساعات طويلة بداخله لاستطلاع آراء المؤمنين اجتماعيا عن كثب، و قد لفت انتباهنا بمجرد دخولنا البناية عجائز كن يصعدن بصعوبة كبيرة على السلالم، و أكدن لدى اقترابنا منهن أنهن يستغرقن وقتا طويلا للوصول إلى الطابقين الرابع و الخامس ،الذين تتم فيهما أغلب المعاينات الطبية، و هو وضع لم يرق حتى لشباب عبروا عن استغرابهم لتعطل مصعد بناية فخمة و مجهزة بآخر التقنيات الحديثة، و يفترض أن لا تستقبل سوى أشخاصا مرضى لا يتحملون استعمال الدرج. و قد وصلنا في جولتنا الخاطفة إلى مقر إجراء المعاينات في حدود الساعة التاسعة و النصف صباحا، و كم كانت مفاجأتنا كبيرة عندما علمنا أن الطبيبة المستشارة المختصة بالكشف على المؤمنين لم تحضر بعد، فقررنا الانتظار إلى جانب مرضى أكدوا لنا أن بعضهم أتى منذ الساعة الثامنة صباحا، و بأنهم تعودوا على مثل هذه التأخرات و على الانتظار الذي دام خلال تواجدنا معهم ساعتين كاملتين. و في مشهد كان قد ألفه المواطنون في مستشفيات عمومية، لاحظنا امرأة دخلت فترة بعد المرضى الذين وجدناهم في قاعة الانتظار، و هي تدخل لمكتب الطبيبة من أجل المعاينة بمعية موظف بدا من طريقة حديثه إليها أنها من أحد معارفه، و ذلك وسط استياء شديد بين منتظرين عبروا عن استغرابهم من مثل هذه التصرفات. عطل مرضية «حسب الطلب» للمعارف و الأحباب اقتربنا من إحدى المريضات بقاعة الانتظار التابعة لمصلحة المعاينات، كانت علامات التعب و المرض الشديدين بادية عليها، و راحت تروي لنا بمجرد إفصاحنا عن هويتنا، عن معاناتها في الحصول على التعويضات و على عطلها المرضية بعد أن أصابها انهيار عصبي كان من المفترض أن ترقد بسببه في الفراش لثلاثين يوما كاملا، تقول أنها قضتها في التنقل بين الأطباء و صندوق الضمان الاجتماعي من أجل إيداع الوثائق التي تثبت أن حالتها تتطلب راحة شهر كامل، خاصة بعد أن أعلمتها طبيبة ال «كناس» أنها قد تحصل على 15 يوما فقط، و قد أبدت المريضة التي زاد فقر الدم حالها سوء، استياءها الشديد من هذا الوضع الذي أشبهته بالجحيم. و لم يتوان المؤمّنون اجتماعيا الذين تحدثنا إليهم، عن اتهام بعض الأطباء المستشارين في ال «الكناس» باتباع المحاباة و المحسوبية لدى الإمضاء على عطل مرضية، تمدد فترتها حسب الطلب و الحاجة، حيث أكدت إحدى المريضات أن زميلا لها في مؤسسة عمومية تمكن من الحصول على عطلة مرضية مدتها ثلاثة أشهر، رغم أنه مصاب بداء السكري الذي لا يمنع المريض عن العمل لكل هذه المدة، فيما تحدث آخرون عن عطل تمضى بمكالمة هاتفية. من تحدثنا إليهم استغربوا سبب رفض الإمضاء على العطل المرضية لمن هم في أمس الحاجة إليها و يدفعون سنويا الاشتراكات للصندوق من أجل الحصول عليها عند الحاجة دون الاقتطاع من رواتبهم، فمنهم من تمنح له عطلة بثلاثة أيام رغم أن الطبيب أمره أن يرتاح لأسبوع كامل، ليكتشف لدى انتهاء هذه المدة أنه قضاها في الذهاب و الإياب بين الطبيب و صندوق «كناس»، و النتيجة هي عودته إلى العمل منهك القوى و في حال أسوأ، و كأنه لم يستفد من عطلة مرضية. عمال يضحّون برواتبهم بحثا عن «راحة فعلية» و قد دفع هذا الوضع بالكثير من العمال الأجراء المؤمنين اجتماعيا الذين تحدثنا إليهم، إلى عدم الذهاب أصلا إلى صندوق «الكناس» من أجل الإمضاء على عطلهم و تلقي التعويضات عليها، و ذلك فقط من أجل الاستفادة من راحة فعلية بعيدا عن مشقة التنقل و الانتظار لساعات طويلة قد لا يمضي بعدها الطبيب المستشار على العطلة المرضية أصلا، و يتساءل هؤلاء عن سبب عدم تخصيص مساعدين طبيين يتنقلون إلى المريض من أجل معاينة حالته، أو اعتماد التكنولولجيا الحديثة مثل شبكة الانترنت و حتى الفاكس للإمضاء على العطل أو رفضها، خاصة و أن بطاقة «شفاء» الالكترونية دخلت حيز الخدمة منذ مدة. و لا تتوقف معاناة المؤمنين اجتماعيا عند الإمضاء على العطلة، بحيث يفاجأ الكثير منهم بحدوث أخطاء في التعويض على المرض الذي لا يكون مطابقا للنسبة المتفق عليها مع الطبيب المستشار، حيث صادفنا في زيارتنا لصندوق ال «كناس» نساء و رجالا و هم يُوجهون من مكتب إلى آخر من أجل تقديم التظلمات و الوثائق التي تثبت أحقيتهم في نسب تعويض مرتفعة، و الأدهى من ذلك أن أموال التعويضات لا تصب في حساب المريض في كثير من الأحيان إلا بعد مرور وقت طويل يصل في بعض الأحيان إلى ستة أشهر. و لعل مخبر التحاليل الطبية الذي دشن مؤخرا في الطابق السفلي لصندوق «كناس»، من المصالح التي لا يصادف فيها المؤمنون اجتماعيا أية عراقيل إدارية، بحيث لاحظنا في زيارتنا إليه تنظيما محكما، و لمسنا استحسنا كبيرا بين مواطنين قالوا أنهم لم يصادفوا أية عراقيل عند الرغبة في إجراء تحاليل، تكلفهم أموالا طائلة في العيادات الخاصة، حيث تحدثوا عن استقبال جيد و تجهيزات حديثة خففت عنهم عناء المرض، مثلما أكدته لنا نسوة خرجن من غرفة جهاز «الماموغرافي» للكشف المبكر عن سرطان الثدي. شهادات «التمارض» و عطل المجاملة تربك ال «كناس» مصدر مسؤول بصندوق الضمان الاجتماعي للعمال الأجراء بقسنطينة، رفض الإفصاح عن هويته، ذكر أن مصالحه تسجل منذ مدة تزايدا رهيبا لظاهرة «التمارض» من أجل الراحة، و قال أنها تكثر خاصة في فترة الصيف و بين النساء العاملات، اللاتي يتمكن من الحصول على العطل عن طريق أطباء من خارج الصندوق، يفتقدون للضمير المهني و يمضون على عطل مجاملة لمواطنين يقصدونهم، بمقابل أو دون مقابل، بحيث يلجأ إليهم الكثيرون بعدما يرفض أرباب العمل منحهم العطلة السنوية في الصيف أو في فترة الأعياد مثلا، حسب محدثنا. و قد دفع هذا الوضع بمصالح الضمان الاجتماعي لاتباع الصرامة الشديدة في الإمضاء على العطل المرضية، خاصة و أن مصدر أموال التعويضات هو اشتراكات آلاف من المواطنين، قال محدثنا أنها أمانة و لا يجب تبذيرها، ليؤكد فيما يخص شكاوي الزبائن حول اتباع بعض الأطباء المستشارين المحسوبية في عملهم، أن حالات مثل هذه يمكن أن تحدث و يتحكم فيها ضمير الطبيب الذي يتعامل مباشرة مع المريض، دون طرف ثالث، و قد يتعرض في حال اكتشاف أمره لإجراءات صارمة عليه تحمل تبعاتها، إلى جانب المواطن الذي عليه أن يحترم القوانين، حسب مصدرنا. ي.ب