البنزين ب 60 دينارًا للتر في السوق الموازية بتبسة ما أنفكت أزمة الوقود بولاية تبسة تزداد يوما بعد يوم، وتزداد معها معاناة المواطنين، الذين يتجرعون مرارة هذه الأزمة وتداعياتها الخطيرة على حياتهم. فحسب المواطنين فقد تحولت محطات الوقود بأغلب بلديات الولاية وخاصة بالمناطق الحدودية الى ملكية للمهربين الذين يمنعون عن بقية المواطنين التزود بالوقود "بنزين، ومازوت"، ويفرضون منطقهم الغريب، ويا ويح من سولت له نفسه الاحتجاج أو إبداء عدم رضاه فإنه سيتعرض إلى الضرب والإهانات ويخرج من المحطة وهو أقرب إلى الموت منه إلى الحياة، ولا أحد يستطيع أن يرد عنه الأذى خوفا على حياته في ظل صمت مطبق من جميع الأطراف. وتؤكد الحقائق أن تهريب الوقود بالولاية أصبح عملية استثمارية كبرى تدر على أصحابها أموالا طائلة وهو ما أغرى الكثير من أصحاب المال والجاه إلى اقتناء العشرات من السيارات وتزويدها بخزانات ذات سعة كبيرة تتسع لآلاف اللترات من الوقود الذي يتم تهريبه إلى القطر التونسي أين يباع هناك وبأسعار تنافسية في إطار الاتفاقيات المبرمة بين المهربين في البلدين، ولذلك لاعجب، إذا وجدنا محطات وقود لا تتعامل أصلا مع أصحاب المركبات العاديين لأن الكميات المحددة والموجهة لهذه المحطات يتم بيعها مسبقا للمهربين، وتظل خراطيم المضخات مرفوعة والعدادات مغلقة حتى نتوهم أنه أصابها عطب ولكن في حقيقة الأمر أن الوقود قد بيع وانتهى لبارونات التهريب الذين يحسنون الاستثمار في مآسي الناس، ومآسي الوطن من أجل مصالحهم الخاصة ولا يهم بعد ذلك أحد. ولعل ما يثير الغرابة فعلا هو تفشي ظاهرة السيارات التي تسير وتجوب شوارع المدن الحدودية وببئر العاتر على وجه التحديد دون لوحات ترقيم، وفي ذلك سر كما يوضح بعض العارفين بخفايا التهريب وهو إن تمت مطاردتها أو حجزها ينجو صاحبها من أية متابعات بعد أن يتركها ويلوذ بالفرار والادهى من ذلك أن هذه السيارات باتت مصدر قلق وخوف على حياة المواطنين داخل المدن وفي الطرقات لما تسببه من حوادث مرور خطيرة اودت بحياة العشرات من المواطنين الذين فقدوا حياتهم ظلما وعدوانا نتيجة الطيش والتهور اللذين يميزان سياقة المهربين. انتقال الأزمة الى الولايات المجاورة لقد عمد المهربون الى توسيع شعاع نشاطهم الذي كان مقتصرا على المدن الحدودية بالولاية فقط ومع مرور الأيام وازدياد الطلب على الوقود الجزائري من طرف اشقائنا التوانسة كان ولابد من العمل على تلبية احتياجاتهم المتزايدة التي لم تعد محطات ولاية تبسة قادرة على تلبيتها فيولون وجوههم شطر محطات الوقود بولايات خنشلة وأم البواقي وحتى ولاية باتنة أين ربط المهربون علاقات وطيدة بأصحاب هذه المحطات وأصبحوا يتزودون منها بشكل طبيعي ولمن اراد التأكد عليه أن يسلك طريق بئر العاتر - الشريعة وخنشلة والضلعة وأن يلتزم الحيطة والحذر الى أبعد الحدود طبعا ليس بسبب الثلوج والأمطار وانما لتجنب السرعة الجنونية التي يسير بها المهربون خاصة أثناء فترات الليل التي تعرف نشاطا كثيفا في عمليات التهريب. أمام الندرة الحادة في مادة البنزين على مستوى كل محطات الوقود استغل البعض هذه الأوضاع المزرية ولجأوا الى بيع الوقود (مازوت وبنزين) في السوق الموازية بسعر فاحش لا يقل عن 60 دينارا للتر الواحد والمؤسس يكون أحيانا ممزوجا بالماء وهو ما أكده ل : "النصر" عدد من اصحاب السيارات الذين تضررت محركات سياراتهم لاختلاط الماء بالبنزين، فهؤلاء الباعة لاهم لهم سوى كسب المزيد من المال ولذلك لا عجب اذا وجدت أحياء بكاملها في البلديات الحدودية تعج بدلاء من الوقود وهو ما يجعلها في خطر كبير قد تتحول الى برميل بارود في أية لحظة وتأتي على الأخضر واليابس اذا لم تتدخل الجهات المسؤولة لوضع حد لهذا العبث الذي لا يحتمل السكوت بتاتا.. وقد نتج عن بيع البنزين بالسعر المذكور زيادة في أسعار كراء سيارات الأجرة أو (الفرود) بحجة غلاء البنزين والمواطن الغلبان هو الذي يدفع دائما أخطاء الآخرين. مهربون ينزعون لوحات الترقيم والأضواء الخلفية يلجأ أغلب المهربين الى نزع لوحات الترقيم الامامية والخلفية وهي ظاهرة يمكن وصفها بالشاذة لأنها لا تحدث الا في بئر العاتر، ومن حسن الحظ أنها ليست عامة فهي تقتصر على السيارات المستعملة في التهريب مثل: طويوطا، وفورد ونيسان وذلك للإفلات من مصالح الأمن والجمارك والدرك الوطني، وقد أثارت هذه الوضعية الغريبة أيضا استغراب الجميع الذين تساءلوا عن أسباب غياب لوحات الترقيم والأضواء الخلفية، ولا شك أن الجواب اليقين موجود لدى هؤلاء المهربين الذين يرجعون سبب ذلك الى حماية أنفسهم والمواد المهربة من قبضة المصالح المعنية حتى لاتطالهم العقوبات أثناء عمليات المطاردة والحجز، وما يؤسف له أنه في كثر من الحالات يتسبب أصحاب هذه السيارات غير المرقمة في حوادث مرور مميتة ويفلتون من طائلة القانون بالهروب غير مبالين بما يخلفونه باستمرار من فواجع ومواجع للعائلات والأسر التي لا يكاد يمر يوم الا وتفقد عزيزا أو أكثر نتيجة هذا التهور غير المبرر نتيجة حوادث المرور التي يتسببون فيها. مسافرون من ولايات الوطن تتقطع بهم السبل في تبسة قطع العديد من المسافرين الذين زاروا ولاية تبسة أو كانوا في طريقهم الى تونس لقضاء عطلتهم عهدا على أنفسهم بألا يزوروا هذه الولاية مرة أخرى ليس كرها -طبعا- في أهلها ولكن لما كابدوه وعايشوه من معاناة بسبب انعدام الوقود بالمحطات فتقطعت بهم السبل وتحولت رحلتهم الى كابوس حقيقي لن ينسوه ولم يجدوا ما يفسر لهم هذه الحالة التي اعتبرها بعضهم غريبة، وتساءل بعضهم عن غياب الوقود في ولاية حدودية تعرف دخول أعداد هائلة من السياح والزوار الأجانب، كان من المفروض أن تكون ولاية تبسة تمثل الوجه المشرق لبلادنا أمام الأجانب وقد طالب أحد الزائرين من ولاية بوسط البلاد بوضع لافتة عند دخول تراب الولاية تخطر كل من يدخلها بضرورة التزود بالكميات الكافية من المازوت والبنزين لتجنب مثل هذه المآسي -على حد قوله-. هل البطالة مبرر لإغراق الولاية في أزمة يرى أغلب المهربين وهم من جيل الشباب أن امتهان تهريب الوقود دافعها مرتبط بالظروف الاجتماعية القاهرة وعدم توفر مناصب عمل مما دفعهم الى دخول عالم التهريب ومخاطره وما ينطوي عليه من مخاطر لا تخفى على أحد من أجل تأمين مستقبله حتى وإن كان في ذلك هلاكه. غير أن الواقع يكذب ذلك، ففرص العمل موجودة، بل هناك مؤسسات عمومية وخاصة تعاني من نقص كبير في اليد العاملة، ولكن الكسب السريع والمداخيل المرتفعة من التهريب هي التي فتحت شهية هؤلاء لإغراق الولاية في أزمة حادة طالت الجميع، خاصة وأن الأمر يتعلق بمادة حيوية لا غنى للناس عنها، وان استمرار الوضع على ما هو عليه الآن ستنجر عنه عواقب وخيمة اذا لم تسارع السلطات المسؤولة لاتخاذ الاجراءات الحازمة والجازمة لإعادة الأمور الى نصابها.