غياب النقاش السياسي، معارضة غائبة وغيابات متكررة غاب الجدال السياسي الساخن والنقاش التقني المعمق عند نواب الغرفة السفلى للبرلمان خلال مناقشتهم مخطط عمل الحكومة، الذين راحوا يطرحون قضايا محلية دقيقة في أول محاولة منهم لتبرير وجودهم في المجلس، بينما لم يكد يظهر صوت المعارضة بتاتا ، وبات واضحا أن إدارة المجلس فشلت في إقناع النواب بحضور الجلسات حيث عادت ظاهرة الغيابات بقوة في أول دورة. على مدى ثلاثة أيام لم يخرج الكثير من نواب المجلس الشعبي الوطني عن القضايا المحلية خلال مناقشتهم مخطط عمل حكومة عبد المالك سلال، وتتمحور هذه القضايا خصوصا في التعليم والصحة وتوفير المياه والطرق، والقليل منهم من تطرق لمسائل ذات طابع وطني شامل وعام سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا. وسجل غياب النقاش السياسي الساخن الذي تعود عليه قصر زيروت يوسف في مثل هذه المناسبات خلال العهدات السابقة، كما لم يظهر أي اثر للنقاش التقني المحض الذي يفكك برنامج الحكومة من نواحي متعددة كما كان الأمر خلال عرض برامج الحكومات السابقة، بل على العكس ظهر النقاش فاترا وباهتا في المجلس الشعبي الوطني في أول تجربة للنواب الجدد مع النقاش. وفي هذا الخضم غاب أيضا صوت المعارضة ولم يكد يسمع لا من بعيد ولا من قريب، فإذا تعودنا على أن تلعب تشكيلات سياسية معينةهذا الدور في العهدات السابقة فإن العهدة الجديدة للغرفة السفلى بدت بأشبه بغرفة إجماع لا يظهر فيها سوى الرأي والرأي المطابق، أما الرأي المخالف فلا اثر له حتى الآن، ورغم محاولة جبهة القوى الاشتراكية لعب هذا الدور خاصة من خلال تصريحات رئيس كتلتها البرلمانية أحمدى بطاطاش في اليوم الأول من المناقشة الذي قال أن مخطط عمل الحكومة يفتقد لأرقام وهو عبارة عن برنامج انتخابي للاستحقاقات المقبلة( الانتخابات الرئاسية) إلا أن النقاش والمعارضة الحقيقية لم تظهر خلال تناول نواب الاففاس الكلمة بعد ذلك. وهكذا ظلت مناقشة مخطط الحكومة تتراوح بين المطالب المحلية التي رفعها كل نائب باسم دائرته الانتخابية والتي تدور في مجملها حول توفير التعليم والمؤسسات التربوية، وتوفير الرعاية الصحية للسكان، وشق الطرق وتوفير الكهرباء والغاز وغيره، وبين مطالب بعض نواب الهجرة بخفض تذاكر السفر للمهاجرين والاهتمام بهم أكثر، وبين مناقشة اقتصادية محتشمة مثل المطالبة بإعادة النظر في قانون الاستثمار، وإعادة النظر في قاعدة 49/51 بالنسبة للشراكة مع الأجانب، كما لم يغفل البعض المطالبة بفتح مجال السمعي البصري وضمان أجواء ملائمة لعمل الصحفيين و تحقيق مطالبهم.بينما غاب النقاش السياسي الذي تعود عليه مبنى زيروت يوسف في عهد المجالس السالفة وربما يعود ذلك أصلا لتزامن عرض ومناقشة مخطط عمل الحكومة مع التحضير للانتخابات المحلية، لكن من المفترض أن يكون ذلك عاملا مساعدا في هذا الاتجاه –أي في اتجاه تصعيد اللهجة السياسية خاصة من طرف الأحزاب التي تحسب على المعارضة.وإذا كانت مناقشة مخطط عمل الحكومة هي أول تجربة بالنسبة للنواب الجدد وأول برنامج يناقشه المجلس الشعبي الوطني الجديد فإن ظاهرة غياب النواب عن جلسات النقاش العامة ظهرت بقوة خاصة في اليومين الثاني والثالث من المناقشة، حيث بدت قاعة المجلس خالية على عروشها ولم تسجل سوى نوابا يعدون على أصابع اليدين فقط، كذلك تسجل ظاهرة غريبة أيضا هي عدم اهتمام النواب بمداخلات بعضهم البعض، حيث ينتظر كل نائب وقته للتدخل ثم ينصرف دون أدنى اهتمام بما يقولوه من مروا قبله ومن سيتدخلون بعده. محمد عدنان