اختطاف الأجانب "تجارة" مربحة في الساحل على حساب أمن المنطقة * مدريد دفعت سبعة ملايين يورو مقابل إفراج القاعدة عن رهينتين اتضح جليا أن الدول الكبرى غير مستعدة لوقف تمويلها لتنظيم القاعدة في المغرب العربي عبر ملايين الدولارات التي تدفعها هذه الدول مقابل الإفراج عن رعاياها المختطفين في الساحل الذين ينشطون ظاهريا في مجال الإغاثة رغم أن شكوك تحوم حول حقيقة مهامهم الحقيقية في المنطقة. ويظهر أن التزام هذه الدول على دعم مقترح جزائري لتجريم دفع الفديات مجرد تصريحات "دبلوماسية" لا تتطابق مع ما تقوم به هذه الدول، ومنها اسبانيا التي لم تمتنع عن دفع 7 ملايين يورو مقابل الإفراج عن رهينتين اسبانيتين، وهو مبلغ يصب في جيوب الوسطاء وتجار الأسلحة والمخدرات والجماعات المسلحة التي تنشط في المنطقة وتهدد امن دول الساحل.كشفت صحيفة "الموندو" الاسبانية أمس، أن حكومة زاباتيرو دفعت سبعة ملايين يورو مقابل إفراج تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عن الرهينتين الاسبانيتين اللتين كان يحتجزهما. وقالت أن جزء كبيرا من هذه الأموال أخذها الوسطاء في العملية، مضيفة أن الفدية دفعت على مرتين، حصل تنظيم القاعدة على قرابة أربعة ملايين دولار من أصل القيمة المالية التي دفعتها الحكومة الاسبانية وأكدت الصحيفة أن القسم الأول من المبلغ وقدره 3,8 ملايين يورو دفعتها مدريد في جانفي، لكن قسما كبيرا من هذه الأموال أخذها وسطاء ولم يصل في النهاية إلا مبلغ 1,5 مليون يورو إلى الخاطفين الذين كانوا يطالبون ب3,8 ملايين يورو. ودفع مبلغ جديد قدره نحو ثلاثة ملايين يورو (2,3 ملايين للخاطفين و770 ألفا للوسطاء) بين افريل وماي، ليصبح بذلك المبلغ المدفوع للخاطفين 3,8 ملايين يورو مقابل إفراجهم عن روكي باسكوال وألبرت فيلالتا، كما أفادت الموندو.ولم تتحدث الحكومة الاسبانية عن أية فدية عندما أعلنت رسميا الإفراج عن المتطوعين في منظمة اكسيو سوليداريا الاسبانية واللذين كان يحتجزهما تنظيم القاعدة منذ نوفمبر. واكتفى رئيس الحكومة الاسبانية خوسيه لويس رودريغاز ثاباتيرو في تصريح مقتضب بشكر أجهزة الاستخبارات الاسبانية لما أنجزته وكذلك "الحكومات (الإفريقية) في منطقة" احتجاز الرهائن.وقبلها قامت سويسرا بدفع فدية قدرت ب 5 ملايين أورو للإفراج عن الرهينة السويسري فرنر غرينر، وتم تحويلها من حساب شخصي في بنك بعاصمة أوروبية إلى وكالة بنكية في بوركينافاسو، ثم نقلت هذه الأموال برا وسلمت لوسيطين نقلاها على دفعات إلى وجهة مجهولة على الحدود الدولية المشتركة بين مالي والنيجر في منطقة البدعة النيجرية.واشترطت القاعدة تسليم آلة عد وجهاز كشف عن النقود المزورة مع النقود، وسلم الجزء الأول من الفدية قبل أكثر من 12 يوما من الإفراج عن الرهينة، ثم سلم الجزء الثاني في ذات الساعة التي تم فيها تسليم الرهينة، وقد اشترط الإرهابيون في آخر لحظة الحصول على قائمة من قطع غيار وإطارات السيارات وشحنة مازوت ومواد طبية أملوها على المفاوضين بالهاتف. ويرجح بعض الأوساط أن اغلب عمليات إطلاق سراح الرهائن الغربيين تمت عبر دفع فديات تقدر بالملايين، وأشارت الأوساط ذاتها، أن بعض المسؤولين في مالي تغاضوا عن عمليات التهريب وخطف الأجانب، مقابل استفادة بعض الوسطاء من أموال الفديات، ونقل عن مسؤول مالي أسف حكومته لتفضيلها في وقت ما التفاوض مع الإرهابيين عبر وسطاء، قائلا "شعرنا قليلا بأننا وقعنا في شرك".ويعيد سيناريو تحرير الرهائن الإسبان إلى الأذهان ما حدث شهر فيفري الماضي، عندما قام تنظيم القاعدة بالإفراج عن الرهينة الفرنسي، بيار كامات، بعد إطلاق السلطات المالية باماكو سراح 4 إرهابيين من سجونها، 2 منهم مطلوبان لدى العدالة الجزائرية، وتسبب ذالك في خلاف دبلوماسي بين الجزائر ومالي، ووصل الخلاف إلى استدعاء السفير الجزائري في مالي، قبل أن يعود إلى منصبه نهاية جويلية الماضي، كما جمدت الجزائر مساعيها لحل الخلاف بين باماكو وقبائل التوارق.ولا تستبعد بعض الأوساط أن تشهد منطقة الساحل توترا وأزمة دبلوماسية بين الجزائر من جهة، ودول المنطقة ممثلة في موريتانيا ومالي وبدرجة أقل بوركينافاسو، إضافة إلى إسبانيا من جهة أخرى، على خلفية الطريقة التي تم من خلالها إطلاق سراح الرهينتين الإسبانيين المختطفين لدى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي. وقد تدفع هذه "التنازلات" المقدمة إلى القاعدة، إلى إعادة النظر في الإستراتيجية الأمنية المشتركة التي أقمتها دول الساحل مؤخرا.وتحدثت مصادر إعلامية موريتانية عن أن نواكشوط تلقت إشارات واضحة من الجزائر تنتقد فيها مبادلة السجناء المدانين بقضايا الإرهاب والانتماء لتنظيمات إرهابية لقاء تحرير رهائن مختطفين، حيث قالت المصادر ذاتها إن مبادرة الجزائر التي يدعمها الاتحاد الإفريقي، والتي تم رفعها للأمم المتحدة لتجريم هذا الفعل، تعد بمثابة إشارة عدم رضا من الجزائر إلى موريتانيا ودول الجوار حول السياسات المتناقضة بخصوص مكافحة الإرهاب.ويرى مراقبون أن الحكومة المالية ربما تكون لجأت إلى إطلاق الصحراوي، في صحاري البلاد، ليلتحق بصفوف القاعدة التي وضعت إطلاق سراحه ضمن شروط صفقة تحرير الرهينتين.وبخصوص الطرف الإسباني، إذا ما تأكدت فرضية دفع مدريد لفدية لصالح تنظيم "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي"، فإن العلاقات الثنائية بين البلدين ستعرف لا محالة شرخا عميقا، خاصة وأن إسبانيا كانت قد قدمت تعهدا للجزائر بعد دفع الفدية للتنظيم الإرهابي لقاء تحرير رهائنها، خلال الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، إلى مدريد شهر جانفي من العام الجاري.وكان الرئيس قد طلب من دول مجموعة "الثمانية الكبار" خلال قمتهم الأخيرة تجريم دفع الفديات لمرتكبي جرائم الخطف، وذكر بوتفليقة أن "بلدان منطقة الساحل الصحراوي اتفقت على مقارعة هذه الآفات (الإرهاب والجريمة العابرة للأوطان) في شكل فاعل ومنسق". وتابع: " فضلاً عن تفعيل أطر التعاون الثنائي، رسا الاتفاق على إعطاء دفع جديد لتعاون جهوي يتمحور حول مبدأ تملك بلدان المنطقة المشاكل الأمنية واحترام التعهدات الثنائية والدولية واعتماد إجراءات ملموسة في مجال مكافحة الإرهاب". من جهة أخرى سجل هذه المرة دخول "لاعب محلي" جديد في لعبة التعامل مع الإرهاب في الساحل ويتعلق بالطرف المغربي ، حيث لم يتردّد وزير الداخلية الإسباني في شكر المخابرات المغربية على الدور الذي لعبته في تحرير الرهينتين الاسبانيتين، دون ان يكشف عن هذا الدور ودون أن تكشف عنه السلطات المغربية التي يبدو أنها لم تكن تتوقع أن يفضح الإسبان "كرمها" في العملية.ويبدو جليا من خلال ما سبق أن المجموعة الدولية تفتقد إلى الجدية في محاربة الإرهاب، بل أصبح واضحا للعيان أن الإرهاب في المنطقة أصبح محل تجاذبات و تلاعبات دولية في إطار الحروب الجيوسياسية.