الربيع العربي مؤامرة حيكت بإتقان لإعادة تقسيم المنطقة قالت المطربة سعاد ماسي، أن الربيع العربي ليس ربيعا حقيقيا واعتبرته مؤامرة خطيرة دبرت بإتقان لإعادة تقسيم المنطقة، الفنانة المغتربة التي عبرت عن دهشتها للشعبية التي تتمتع بها في الجزائر رغم قلة الحفلات التي أحيتها في بلدها، أكدت في حوار للنصر أنها ستواصل الغناء باللهجة الجزائرية حيثما كانت بالعالم مشيرة ان الجزائرية هي اللغة التي تتحدث بها يوميا وأنها لا تكف عن تذكير زوجها وابنتيها بأنهم جزائريون. إلى جانب قضايا أخرى تطالعونها في هذا الحوار. ما هو شعورك و أنت تعودين للساحة الفنية الجزائرية بعد طول غياب؟ رغم قيامي بالعديد من الجولات الفنية في الخارج، إلا أن هذه أول جولة لي داخل الجزائر حيث كانت آخر مرة غنيت فيها هنا في سنة 2007 و في العاصمة فقط، و أنا سعيدة جدا لأنني زرت لأول مرة مدينة قسنطينة بعد جولتي في الغرب و عنابة و تمنيت أن أزور المزيد من المدن الجزائرية خاصة منطقة القبائل في تيزي وزو و غيرها و لكن الأمر خارج عن نطاقي لأن الجولة نظمت عن طريق المعهد الفرنسي بالجزائر الذي سمح لي بعد غيابي الطويل بسبب عدم استلامي لدعوات رسمية من جهات جزائرية، أن أكتشف جمهوري الذي فاجأني بحبه لي و بترديده لكل أغانيّ التي أعرف جيدا أنهم يفهمونها و يتفاعلون بحماس مع مواضيعها التي تتحدث عنهم و تخاطبهم، و لكنني بصراحة لم أكن أتصور أنه لدي كل هذا الجمهور الرائع في بلدي فمعظم جولاتي الفنية كانت في الخارج. رغم أنك تعيشين في فرنسا إلا أنك لم تتخلي أبدا عن اللهجة الجزائرية، حدثينا عن هذا الخيار الذي حافظت عليه رغم وصولك لشهرة عالمية ؟ اللهجة الجزائرية هي لغتي العفوية التي أتحدث بها كل يوم و أتحاور بها مع زوجي و ابنتي في البيت محاولة تذكيرهم بجزائريتهم و لغتهم في محيطهم الفرنكوفوني، كما أنني أتردد كثيرا على بلدي مما يبقيني في احتكاك دائم مع الحياة اليومية بداخله و يحافظ على صلتي الدائمة مع لهجتنا الجميلة، و لكنني ألاحظ اضمحلال الثقافة الجزائرية تدريجيا و خاصة اللهجة التي تتفسخ و تمحى شيئا فشيئا دون أن نشعر، لا أعرف إن كانت هذه الظاهرة موجودة أيضا في قسنطينة أو لا، و لكن اللهجة العاصمية تغلب عليها العديد من الكلمات بالفرنسية التي أصبحت اليوم تطغى أكثر على لغتنا الحوارية اليومية، بالنسبة لي أتحدث العربية و أغني بها بشكل عفوي رغم أن والدي كانا يتكلمان في البيت إما الفرنسية أو القبائلية. تحدثت كثيرا عن المرأة و عن مواضيع متعلقة بالنساء في ألبومك الأخير « حرية « لماذا قضايا المرأة الآن؟ السبب ربما هو تأثري بالكثير من قصص النساء اللواتي يعانين الأمرين في مجتمعنا و خاصة من كنّ ضحايا العنف و النساء يضحين دوما من أجل من يحببن خاصة أولادهن، بالإضافة إلى العديد من المواضيع التي طرحتها في أغاني مختلفة، كأغنية « سميرة مسكينة « التي تتحدث ببساطة عن حلم صغير لطالبة أقصى ما تتمناه هو أن تقوم بجولة صغيرة في مكان جميل، كالذهاب إلى شاطئ البحر مثلا، ليس بالضرورة من أجل السباحة بل من أجل المتعة و التأمل فقط. كيف ترين وضعية المرأة الجزائرية حاليا؟ بصراحة وضعية المرأة في الجزائر كارثية و أقول هذا للأسف بغصة كبيرة في القلب، لأنها تتعرض للكثير من الظلم هنا و تعامل بنفاق كبير و هذا ما لاحظته أيضا من خلال احتكاكي ببعض الجمعيات الخيرية المهتمة بوضعية المرأة، و أعي تماما مدى صعوبة الحياة في الجزائر ليس فقط بالنسبة للمرأة و لكن للرجل أيضا و لكن المرأة هي أكثر المتضررين من كل الوضعيات السلبية و غير العادلة الموجودة فيها، خاصة العنف الجسدي فعندما كنت في وهران التقيت بعناصر جمعية للنساء ضحايا العنف قامت بعضهن من خلال ورشة كتابة بكتابة أغنية يقلن فيها للرجل « كف عن ضربي» و هذا واقع في غاية الخطورة. و كيف يمكن تحسين هذا الوضع في الجزائر في هذا الجانب، برأيك؟ أعتقد أنه علينا أن نعيد النظر في كل شيء و أن نتوقف عن نسب كل الأخطاء و كل الأمور السلبية للسلطات، فلكل منا مسؤولياته التي لا يقوم بها على أكمل وجه و خاصة الأولياء الذين استقالوا من مهمة تربية أبنائهم، كل شيء في مجتمعنا يجب مراجعته بما في ذلك القوانين و التشريعات و السياسة الثقافية و حتى الأخلاق العامة حيث تخلينا عن مبادئنا القديمة، فمثلا عندما كنت قادمة في المطار أدهشني منظر ولد صغير يلعب في كل مكان و يلمس كل الأشياء في طريقه و يجري وسط الزحام و والدته تجلس غير مبالية و وجدت نفسي دون أن أدري أتتبعه بأعيني مخافة أن يحدث له شيء و كلي استغراب لتصرف أمه الطائش التي تجد في حركته الزائدة و إزعاجه للآخرين أمرا عاديا، و هذا راجع لظاهرة تقزيم كل شيء و كل الأمور التي يفترض أنها غير عادية و غير مقبولة بعبارة « نورمال « كما هو منتشر عندنا، فإلى متى سنقول عادي عن كل ما هو غير لائق و غير عادي؟ كفنانة ناقدة للواقع الجزائري من خلال مواقفك و أغانيك، هل تجدين أن هناك حرية تعبير في الجزائر ؟ بالمقارنة مع الشرق الأوسط و الكثير من الدول العربية أعتقد أننا أفضل بكثير في هذه النقطة، فالجزائريين يعبرون بصراحة عن رأيهم و ينتقدون واقعهم القاهر دون خوف حتى لو لم يتمكنوا من تغييره بكلامهم و لكنهم يستمرون رغم ذلك في التعبير عن ما بداخلهم بصوت عال. بالإضافة إلى موضوع المرأة تناول ألبومك الأخير العديد من المواضيع الهامة و الحساسة الأخرى تميزه عن ألبوماتك السابقة، كيف استوحيت كلماتك المعبرة؟ الاشتغال على هذا الألبوم كان صعبا بعض الشيء خاصة في كتابة كلماته و ذلك بسبب حاجز نفسي منعني في أوقات كثيرة من التعبير عن ما يجول في خاطري من أفكار و انطباعات و أحاسيس داخلية لم أستطع إخراجها، فقد قمت في تلك الفترة بالكثير من الجولات الفنية التي أتعبتني خاصة أنني عند عودتي للبيت أجد طفلتي بانتظاري لتمتصا ما يتبقى من وقتي، مما منعني من التركيز على الأغاني الجديدة التي لم أجد ما يحركني من الداخل و يثير أفكاري لأستطيع كتابتها، و أول ما بدأت به كانت أغنية « خبر كان « وأتت البقية بصعوبة أكثر لأني كنت خائفة من التقدم. ما سبب هذا الخوف، هل نجاحك السابق جعلك حذرة في خطواتك اللاحقة؟ لا أبدا، فأنا لا أحسب الأمور بمعيار عدد الألبومات التي سأبيعها خاصة مع أزمة الألبومات المقرصنة في فرنسا و العالم و خاصة في الجزائر التي يعيش فيها الفنانون بصعوبة كبيرة في غياب قانون يحميهم. تضمنت أغنية « سي حمد « نقدا ساخرا لواقع الطرقات المهترئة كيف فكرت في موضوعها ؟ أغنية « سي حمد « مستوحاة من واقعي شخصيا، فبالقرب من بيت أهلي في بوزريعة هناك طريق مليئ بالحفر لم يتم إصلاحه منذ سنوات، مما يجعل المرور به أمرا في غاية الصعوبة خاصة في الشتاء، و هي ظاهرة تدعو للخجل فعلا جعلتني أرفض طلب قناة « تي في 5 « التي كانت تصور وثائقيا معي لتصوير مشاهد في الحي الذي ولدت فيه، و للعلم مازال « السي حمد « لم يصلح الطريق بعد. لم تغني عن ابنتيك و أديت أغنية « آزور و أسمر « التي تتحدث عن صبيين جميلين أحدهما أسمر و الآخر أشقر لماذا؟ بالفعل لدي بنتان و لكني أحب الصبيان فتخيلت أنه لدي صبيان أحدهما أسمر و الآخر أشقر و ألفت هذه الأغنية، فعندما تتحول المرأة إلى أم تشعر أنها أم لجميع أطفال العالم الذين تحس نحوهم بعاطفة مماثلة للتي تحسها مع أطفالها الحقيقيين و هذا ما أعيشه أنا يوميا بطريقة تلقائية، و الذي ساعدني على تخيل شخصيات الأغنية هما ولدا صديقتي. كيف تجمعين بين الشعر و الحكاية معا في أغانيك التي تخاطب المستمع بشكل مباشر في ضميره و مشاعره؟ هذا الخطاب المباشر و الأسلوب القصصي ضروري لتمرير الرسالة التي أريدها للمستمع من أقرب و أقصر طريق، الكثير من الأشخاص يوجهون لي الملاحظة قائلين أن أغانيّ تهتم بالجانب السياسي في الجزائر و أرى أن هذا أمر عادي و على الجميع أن يهتموا بما يجري حولهم ليس في السياسة و لكن في كل شيئكل شيء. بما أنك اتجهت للشعر من خلال قصائد محمود درويش التي تقرئينها في سلسلة عروضك الأخيرة هل نتوقع أغاني كاملة بالعربية الفصحى في الألبومات القادمة؟ نعم أنا أفكر في أغاني بالعربية و خاصة بالقبائلية التي طال انتظارها من قبل جمهوري القبائلي الذي أعرف أنه يحبني كثيرا و لكنه يطالبني منذ سنوات بأن أغني بالقبائلية و أعتقد أنه قد حان الوقت للقيام بهذه الخطوة لأن الثقافة الأمازيغية في الجزائر عانت كثيرا من التهميش رغم أنها لغة جميلة، و أرجو أن تتنبه وزارة الثقافة للاهتمام بها و بعدة جوانب ثقافية أخرى، فمن الجيد أن ننظم عواصم دولية إسلامية و ثقافية و لكن يجب أولا التأسيس لهياكل دائمة لا لنشاطات مرتجلة، فحتى لو اجتهدنا لنثبت أننا عرب لن نصل لمستوى بعض الدول العربية في مؤسساتها و مكتباتها التي تؤرخ لثقافتها، و التي تجعلني أشعر بالغيرة، عندما أرى مثلا بلدا عمره 40 سنة أكثر تطورا من الجزائر فشعبنا يستحق الأفضل. استحضرت محمود درويش من خلال أشعاره تكريما له كشاعر معاصر فذ، و حاولت أيضا من خلاله تكريم القضية الفلسطينية و الفلسطينيين في نضالهم النبيل. حدثينا عن ألبوماتك القادمة. لدي ألبومان أولهما سيكون مع فرقة « أصوات قرطبة « بعد تجربتي الأخيرة مع «جوقة قرطبة» التي تضم جزائريين، إسبان من الغجر و فرنسيين، و التي تذكر بالكنوز الثمينة التي تركها العرب في الأندلس من خلال فن الرقص ، الشعر و الجمال. ماذا رأيك في الربيع العربي ؟ بالنسبة لي هذا ليس ربيعا، فمع كل إحتراماتي لكل الأشخاص الذين ماتوا في تلك الأحداث أعتقد أنها كانت مؤامرة دبرت بحنكة وفق خطة خطيرة تحاك منذ زمن طويل لإعادة تقسيم البلدان العربية.