حمام صالح باي.. تاريخ يتهدده الزوال بمنطقة الغراب لم تُصنف بعد وزارة الثقافة حمام صالح باي الواقع في حي الغراب، ضمن التراث المادي لمدينة قسنطينة، حيث لا يزال المعلم مهملا منذ سنوات و عرفت أجزاء كبيرة منه انهيارات متتالية تنذر باختفائه، بالرغم من كونه معلما أثريا هاما يقع في منطقة تتميز بإطلالة طبيعية مميزة. لم يكن الوصول إلى حمام صالح باي الأثري سهلا، حيث اضطررنا للسير على الأقدام لمسافة تقارب الكلم عبر مسالك امتلأت بالشوك و الأوحال لأن المنطقة لم يزرها أحد منذ مدة، لكن طبيعتها الساحرة التي امتزجت فيها الخُضرة مع ألوان الزهور و الورود و زقزقة طائر البلبل، أنستنا عناء المشي، غير أننا نتفاجأ و بمجرد الوصول للمعلم، بأن الأعشاب قد غطته و بأن جزء كبيرا منه انهار، بسقوط سقف إحدى الغرف و كذلك الجدران، بحيث لم يتبقى منه سوى غرفتان صغيرتان لا تزالان تشهدان على مرور الباي العثماني صالح باي على مكان اتخذه البعض كملاذ لتعاطي الكحول و هو ما تشهد عليه بقايا لاحظناها بداخله و حولته إلى أشبه بالمفرغة. الحمام يحتوي على أحواض صغيرة للاستحمام تعتليها فتحات في الجدران كانت تستعمل في تبريد أو تسخين المياه، كما أنه محاط بجدار انهار أيضا جزء كبير منه بفعل الظروف الطبيعية، و يقع أسفله حوض كبير تغطى هو الآخر و نتيجة لإهمال دام لسنوات بالأعشاب، بعدما كان قبل عشرات العقود مصبا للكميات الهائلة من مياه الينابيع التي تزخر بها منطقة، يجزم ساكنوها الذين رافقونا في استطلاعنا، أنها سياحية بامتياز و يمكن أن تستقبل يوميا مئات السياح إذا لاقت العناية اللازمة، خصوصا و أن الولاية على أبواب احتضان تظاهرة عاصمة الثقافة العربية سنة 2015.. الموعد الذي جعل هؤلاء يقررون التحرك لنفض الغبار عن معلم ظل طي النسيان طيلة الأعوام الماضية و تعرض للتخريب خصوصا في فترة العشرية السوداء. "الغراب" ينام على كنوز أثرية و مدير الثقافة يؤكد أنه ليس الوحيد و اللافت أن حمام صالح باي يطل على أغلب أحياء قسنطينة في منظر بانورامي مبهر يزيده متعة الهواء النقي و الرياح المنعشة، التي تملأ المكان و يقول السكان أنها السبب في تسمية المنطقة ب "باب الريح"، بحيث كانت تستقطب في السابق و خصوصا في فصل الصيف عشرات المواطنين هروبا من الحرارة. كما يجزم سكان الغراب أن المنطقة تنام على كنوز أثرية هامة تعود إلى ما قبل العهد الروماني على اعتبار أن الحي يقع في أرضية مرتفعة تشبه الحصن و يطل على أغلب أرجاء المدينة، كما أنه يزخر منذ القدم بكميات هامة من المياه، حيث يؤكد محدثونا أن العديد منهم لا يزال يعثر من الحين إلى الآخر على قطع نقدية و أثرية نادرة خلال عمليات الحفر، إضافة إلى عشرات الأحجار الأثرية المترامية في كل اتجاه و التي استعملها البعض لتزيين منازلهم و منها حتى، كما قالوا، القبور الرومانية المعروفة باسم "الدولمان"، كما دلنا مرافقونا على منزل يقولون أنه كان حصنا لصالح باي استعمله لمراقبة المناطق المحيطة، بواسطة برج لم يتبقى منها سوى جزء بسيط. سكان "الغراب" يستغربون بقاء معلم أثري مثل حمام صالح باي مهملا طيلة السنوات الماضية، و يطالبون جميع السلطات المحلية و بالخصوص مديرتي السياحة و الثقافة بالتحرك فورا من أجل نفض الغبار عنه و استغلاله في إنعاش السياحة و قسنطينة تستعد لاحتضان تظاهرة عاصمة الثقافة العربية. أما مدير الثقافة فقد أكد لنا لدى استفسارنا عن الموضوع أنه تلقى من قبل مواطني المنطقة معلومات عن المعلم، حيث شرعت مصالحه على إثر ذلك في إعداد بطاقة تقنية عنه لتحديد عمره الحقيقي و من ثم تصنيفه، مؤكدا بأنه ليس المعلم الوحيد المهمل في قسنطينة.