وقفت الجماعات المحلية بولاية المدية عائقا أمام بعث قطاع الثقافة في المنطقة التي عانت من ويلات الإرهاب، وذلك من خلال رفض التنازل عن بعض الفضاءات المهملة لترميمها· ورغم هذا، تحاول مديرية الثقافة بالولاية محو آثار ”العشرية السوداء” من خلال إطلاق مشاريع هياكل ثقافية توصف ب”الطموحة”· ساهمت مديرية الثقافة بالولاية في دعم المقروئية وتكوين الناشئة وتقوية الجانب المعرفي بتوفير عشرات المكتبات البلدية، بمعدل مكتبة بكل بلدية، منها 23 مكتبة وفضاء للمطالعة، وأنجزت في إطار البرنامج الخماسي بتكلفة قاربت حوالي 44 مليار سنتيم من الأموال المخصصة للهضاب العليا، وذلك بعدما استهلكت 70 بالمائة من هذا الغلاف المالي في انتظار تكملة أشغال التدفئة· وقامت السلطات المختصة بإنجاز 47 مكتبة في إطار الصندوق المشترك للجماعات المحلية، بينما تم تحويل كنيسة ببلدية ”ذراع سمار” إلى مكتبة بلدية من بين 23 مكتبة منجزة من قبلها، على أمل أن تحقق حلمها والمتمثل في بناء 11 قاعة للمطالعة بالمناطق الآهلة بالسكان وبالمداشر وفي المناطق المحرومة في السنوات المقبلة والمتبقية من البرنامج الخماسي الحالي· كما ينتظر إنجاز مكتبة رئيسية بعاصمة الولاية بقيمة 20 مليار سنتيم تكون في شكل هيئة مشرفة ومتابعة لهذه المنشآت الثقافية من أجل ”التسيير الأحسن والعقلاني لها ولمحتوياتها بعدما انتهت من دراستها”، ثم شروعها في عملية الإنجاز بعد ضبط دفتر الشروط·
واستفادت بعض البلديات من مكتبتين بالدوائر الكبرى كالمدية، البروافية، وقصر البخاري· بينما تسعى مديرية الثقافة، وفق الشروحات التي تلقيناها، لإحداث توازن عددي وكمي ما بين مجموع بلديات الولاية من أجل تقريب مختلف أفراد المجتمع نحو هذه الفضاءات، بعدما ارتفع عددها قبل 1999 من 3 مكتبات إلى 73 مكتبة بلدية مع نهاية عام ,2011 مجهزة بمئات العناوين وبشتى الوسائل والإمكانيات مواكبة لكل الفئات العمرية ومستجيبة لكل المتطلبات والحاجيات الفكرية بعدما وصلت نسبة تسليم الكتب بالنسبة لسبعين مكتبة بلدية إلى 95 بالمائة بتكلفة إجمالية· وفي ظل هذه الحركية، تبرز مطالب بضرورة متابعة ميدانية من قبل البلديات لحماية هذه المكتبات من عوامل السرقة أو الإعارة العشوائية والتعدي، خصوصا أن المديرية تعتزم إدراج حصة ضمن عملية تجهيز واقتناء الكتب ل 70 مكتبة بلدية من أجل تجهيز إضافي لهذه الفضاءات لتغطية كل النقائص المحتملة أو الملاحظة والمبلغ عنها·
مسرح جهوي بسعة 800 مقعد لبعث الحركية الثقافية
شهدت ولاية المدية تقلص حظيرة قطاع الثقافة في مجال توفير الفضاءات قبل سنة 1999 وإلى يومنا هذا، وذلك من خلال تراجع عدد المراكز الثقافية من 26 إلى 15 مركزا بعد تحول 11 فضاء إلى دور للشباب· ولاحقا، تعززت قدراته في مجال المسارح الجهوية والمحلية بتسجيل مسرح جهوي بعاصمة الولاية بسعة 800 مقعد وبتكلفة 1 مليار سنتيم في مجال الدراسة· وبمسرح هواء طلق بالقطب الحضري بسعة 2500 مقعد، قاربت نسبة إنجازه 95 بالمائة ضمن البرنامج الخماسي، على أن يتم استلامه خلال السنة الجارية بعد الانتهاء من إنجاز أشغاله الخارجية وتجهيزه بعدما رصدت له السلطات نحو 7,31 مليار سنتيم· في حين تدعمت المدية بمتحفين هامين وهما متحف الجهوي للفنون والثقافات الشعبية المعروف ب”دار الأمير عبد القادر”، بعاصمة الولاية، وهو مصنف ضمن التراث الوطنى بعدما استهلكت عميلة ترميمه وتحويله إلى متحف حوالي 4,3 مليار سنتيم، وكذا ترميم قبر ”لالة فاطمة نسومر” وتحويله إلى متحف ببلدية ”العيساوية”، بضواحي الولاية بمبلغ 9,1 مليار سنتيم في إطار البرنامج الخماسي 2005/2009 على أن يتم الشروع في ترميم المكان المسمى ”حوش الباي” ب”حي المصلى” في بلدية المدية، وهو خاص بالإقامة الصيفية والشتوية لآخر البايات مصطفى بومزراق ”باي التيطري” وتحويله مستقبلا إلى متحف جهوي بميزانية قدرها 14 مليار سنتيم، وذلك بهدف ترميمه وتجهيزه ووضعه تحت تصرف الزوار·
ترميمات لحفظ وصون الذاكرة والهوية
قامت مديرية الثقافة بالمدية، بالإضافة إلى هذه المنشآت الحيوية، بترميم العديد من الهياكل الأثرية كمعلم ”دار الأمير عبد القادر” و”معلم رابيدوم” بمنطقة ”جواب” بمبلغ 4 ملايير سنتيم، وتصليح المركز الثقافي ببلدية قصر البخاري بقيمة 300 مليون سنتيم قبل انطلاق هذه البرامج الخماسية لما لهذه الآثار المادية من أهمية تاريخية· ومن بين المشاريع أيضا، تجهيز دار الثقافة ”حسن الحسني” بعاصمة الولاية بميزانية 4,2 مليون سنتيم في إطار البرنامج الخماسي الماضي، إلى جانب ترميم وإعادة الاعتبار للمعالم الأثرية بكل من صومعة الجامع العتيق لمسجد الحنفي، ومنارة الجامع الأحمر، وضريح سيدي صحراوي، وبرج المراقبة بحي المصلى بعاصمة الولاية ومعلم ”أشير” ببلدية ”الكاف لخضر” بقيمة 7 ملايير سنتيم قبل انطلاق هذه البرامج· كما ستعمل مديرية الثقافة على إنجاز متحف بالموقع الأثري ”أشير” بتكلفة 3 ملايير سنتيم بعدما أعلن عن صفقته والشروع في تقييم العروض في القريب العاجل، بالإضافة إلى جرد الممتلكات الثقافية المادية وبنك المعطيات للممتلكات الثقافية بالولاية بعد الاتفاق مع الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية من أجل إعداد جرد هذه الممتلكات والاتفاق مع المركز الوطني للدراسات ماقبل التاريخ والأنثربولوجيا لإعداد اتفاقية بنك المعطيات للممتلكات الثقافية بهذه الولاية· ورصد للعمليتين في مجال الدراسة نحو مليار سنتيم، دون نسيان إعداد مخططات لحفظ وإعادة الاعتبار للمناطق الأثرية الخاصة بالقصر العتيق بمدينة قصر البخاري والمدينة القديمة بالمدية، وتلك المتعلقة بدراسة حماية وإعادة الاعتبار للموقع الأثري ”أشير” وصلت نسبة تقدمها إلى 60 بالمائة بعد المصادقة على المرحلة الثانية للتحفظات، حيث يقوم مكتب الدراسات برفعها بعدما رصد لهذه العملية قرابة مليار سنتيم·
جهل البلديات وراء تعثر ترميم دور السينما
وفي شق آخر لا يقل أهمية، أبدت مديرية الثقافة بالمدية، وفق المعطيات التي تحصلنا عليها، قلقها بسبب استحالة إعادة الاعتبار لقطاع السينما، وذلك لتجاهل بعض البلديات لمساعيها رغم الميزانية التي خصصتها وزارة الثقافة لصالح 3 قاعات سينما بالمدية وقصر البخاري والبروافية وقدرها 600 مليون سنتيم، كمبلغ للدراسات ضمن البرنامج الخماسي الجاري، على اعتبار أن كلا من بلدية المدية وقصر البخاري رفضتا التنازل عن قاعات السينما الموجودة بإقليميهما، في وقت تعاني تسع قاعات مترامية بهذه الولاية وضعا كارثيا· وأبدت مديرية الثقافة استعدادها لإعادة تجديدها وتأهيلها بعد صدور قانون السينما الجديد، وذلك بهدف تربية الناشئة وتثقيفها والترفيه عنها·
أولويات لجرد الممتلكات المادية
تحاول مديرية الثقافة مستقبلا إحصاء بعض المواقع والمعالم غير المصنفة ضمن قائمة الممتلكات الثقافية العقارية التي سيتم تسجيلها في قائمة الجرد الإضافي كخطوة أولى قبل التصنيف، باعتبارها ذات قيمة هامة على المستوى المحلي، وذلك بقرار من الوالي عقب استشارة اللجنة الولائية للممتلكات الثقافية، على أن يتم إحصاؤها في قائمة الجرد الإضافي في انتظار استكمال بعض الملفات من طرف البلديات المعنية· وتتمثل هذه البلديات في ”خربة أولاد هلال” الواقعة غرب مدينة قصر البخاري والتي كانت آهلة بالعائلات الرومانية المزارعة في أراضي المنطقة الخصبة، والموقع الأثري ”سانق” الذي كان عبارة عن بقايا أثرية للمدينة الرومانية ”إيزينازيس” العتيقة التي شيدها القائد الروماني ”سوبتيم سيفار” في القرن 201 بعد الميلاد، وهي عبارة عن أطلال تتربع على حوالي 5 هكتارات، واليوم منطقة آهلة بالسكان وغير محروسة، وعثر بها على حجارة عليها كتابات لاتينية وقلال محفوظة حاليا على مستوي البلدية· وبنيت داخل الموقع مدرسة ”الإخوة بطارش”، وقاعة للعلاج ومركز بريدي وخزان للمياه، ومقابر ب”المفاتحة”، والتي تعود للفترة الرومانية المتأخرة· وتم اكتشاف هذا الموقع في ال 15 مارس 2006 في منطقة ”مغاسيل الربعية” ببلدية ”المفاتحة” من قبل أحد السكان، وهي متكونة من غرفتين جنائزيتين مشكلة الحرف ”ل” بالفرنسية، وتم العثور فيهما على بقايا منحوتات من الحجارة لحيوانات كانت تعيش في هذه المنطقة، أجريت عليها حفرية استعجالية من فرقة من الباحثين من الوكالة الوطنية للآثار في التاسع جويلية 2007 إلى غاية العشرين من نفس الشهر والسنة·
قبور أثرية من عهد الرومان
أما ”خربة سيوف”، فهي عبارة عن قبور اكتشفت صدفة في ال 25 جويلية 2007 من طرف مصالح الدرك الوطني إثر القيام بأعمال تهيئة الأرضية لإقامة مركز رقابة متقدم، وهو موقع له أهمية أثرية كبيرة بوجود عناصر أثرية تتمثل في قطع فخارية متنوعة، وجرار كبيرة الحجم، وعظام بشرية وحيوانية، وطبقة أثرية رمادية اللون، بالإضافة إلى قطع من القرميد المسطح يستعمل في بناء القبور، وبعض قطع الرصاص· كما تم العثور في ملحقة البلدية على ”مهراس” وتوابيت صغيرة تستعمل للدفن ب”أولاد هلال” في دائرة ”أولاد عنتر”، وقنوات المياه ب”باب الأقواس”، كمعلم للري·
وبنيت هذه القنوات على فجوة سهل ”مرج شكير” و”بزيوش”، ويبلغ طولها حوالي واحد كلم وعرضها متر، وهي مزودة بأقواس من طابقين، واستعملت من طرف ”الزيريين” والأتراك الذين زودوها بحصن مراقبة عند الباب الغربي للمدينة، حيث هدمت العديد من أجزائها خاصة من الجهة الغربية، وفتح بها الطريق الوطني رقم 18 المؤدي إلى بلدية ”ذراع سمار” وولاية عين الدفلى· وتقع هذه القنوات في شمال غرب مدينة المدية وهي في شكل بني بحجارة صغيرة مصقولة مدعمة بتحصينات مضافة في تاريخ لاحق من الفترة الإسلامية، وهي امتداد للثكنة العسكرية القديمة والحالية، وترجع إلى فترة تأسيس مدينة ”لامبديا” وأعاد ”الزيريون” ترميمها وتحصينها وأنشأوا بها منشآت مدنية وعسكرية قبل تأسيسهم مدينتي مليانة والجزائر· أما المقبرة الرومانية ب”المفاتحة” بصفتها معلما جنائزيا يعود للفترة الرومانية، فهي عبارة عن آثار اكتشفت مصادفة من طرف فلاحي المنطقة عام 1986 وتحتوي على ستة قبور خاوية منحوتة داخل صخرة كبيرة، حيث أقيمت بها حفرية استعجالية من طرف مجموعة من المختصين في علم الآثار القديمة عام ,1988 واستنتجوا من خلال الحفريات وجود آثار لمدينة تعود إلى فترة ما قبل الرومان·
هذا ومن بين كنوز المدية أيضا، الحمامات الرومانية ب”البروافية”، وهي عبارة عن معلم مدني يعود للفترة الرومانية، هدمت آثارها ولم يعد يظهر منها شيء، وهي في وسط مبان، وتعود للفترة الاستعمارية وتحتاج لحفرية لإعطاء محتواها التاريخي وإدماجها في الشبكة العمرانية لتلعب دورها الثقافي والحفاظ على الفترة التاريخية·
علما أن هناك دراسة خصصت من طرف مديرية الثقافة للمحافظة على هذا المعلم، فبعد الشروع في تهيئة لبناء مساكن وظيفية لفائدة عمال إدارة مركز إعادة التربية في ال 17 جوان ,1996 تم العثور على بقايا أثرية تاريخية وقطع فخارية وأنفورات والآجر، والحجر الرملي، وهي جزء من الحمامات الرومانية·
مواقع أثرية من عهد الاحتلال الفرنسي
يوجد في ولاية المدية أيضا، الموقع الأثري ”شومبلان”، وهو بشكل ”حلزونيات رمادية”، حيث نسبت قرية ”شومبلان” إلى المعمر الفرنسي ”سامويل شومبلان” وتسمى حاليا ب”العمارية”، وتقع على بعد 35 كلم شرق مدينة المدية· وتتواجد المحطة الأثرية على بعد ألف متر جنوب ”العمارية” في منطقة تدعى ”الغاسول”، على منحدر ”واد الثلاثاء”، نسبة إلى ”سوق الثلاثاء”، والذي كان يسمى قديما ب”واد العظم”، ويتربع على مساحة قدرها أربع هكتارات·
وتوجد فيه العديد من قواقع ”الحلزونيات” والأحجار الممزوجة بالقواقع وبقايا لعظام حيوانات متحجرة· في حين تتواجد المنطقة الثانية على منطقة جبلية تبعد عن قرية ”مدالة” بحوالي 200 متر، وعلى بعد 6 كلم شمال غرب ”العمارية”، وهي منطقة صخرية تتربع على مساحة شاسعة·