جرافة تتلف قطعا أثرية نادرة عمرها ألفي سنة بابن زياد تعرضت قطع أثرية عمرها أزيد من ألفي سنة للتلف بعد أن جرفتها آلة كانت تقوم بأشغال فك العزلة عن منطقة "القصر" بأعالي بلدية ابن زياد بولاية قسنطينة، في وقت لا تزال عشرات الآثار مرمية في مناطق أخرى بالولاية و يؤكد باحثون أن كثيرا منها ظل مدفونا تحت الأرض لآلاف السنين دون أن يكتشف و يمكن أن يشمل حتى مدنا رومانية بأكملها، لم تجر في شأنها أية حفريات بسبب نقص المختصين في علم الآثار. تحقيق: ياسمين بوالجدري تصوير: ع. عمور "النصر" تنقلت إلى مكان الحادث و لاحظت أن عشرات الأحجار المصقولة التي تعود للحقبة الرومانية مرمية في أطراف المسلك الذي تم فتحه في منطقة " الجرّ الحمزاوي" أو "القصر"، كما شاهدنا الجرافة التي تسببت في الحادثة متوقفة بعد أن أدرك صاحبها أنه كان يدفع إلى جانبي الطريق أتربة محملة بقطع أثرية نادرة جدا، حيث أكد لنا مصدر مسؤول في مصلحة الآثار بمتحف سيرتا أن الجرافة أتلفت فسيفساء أرضية فاخرة كانت تحت الأرض تم تغطيتها فيما بعد بالتراب حتى لا تتلف أكثر، كما جرفت الآلة أثناء فتح الطريق جرتين قديمتين جدا مصنوعتين من الفخار و أظهرت وجود نقود تعود إلى الفترة الرومانية، إلى جانب مجموعة من القطع الفخارية و القرميد القديم و حجارة مصقولة على بعضها كتابات لاتينية. الحادثة وقعت قبل أسابيع قليلة و استدعت تدخل فرقة من الباحثين رفقة ممثلين عن مديرية الثقافة وكذلك البلدية من أجل القيام بمعاينة، انتهت بإعداد تقرير مفصل رفع إلى الوزارة الوصية من أجل طلب إيفاد مختصين وإجراء مسح شامل للمنطقة عن طريق القيام بحفريات و كشف ما تبقى من الآثار، المعرضة هي الأخرى للتلف باعتبار أن بعض سكان المنطقة يستعدون للقيام بأشغال البناء الريفي، حيث صادفنا مسؤول في مكتب دراسات كان يعد المخطط و أكد لنا أن الجهات المسؤولة لم تبلغه بأية تحفظات أو بأن المنطقة أثرية. مدير الثقافة بولاية قسنطينة قال أنه راسل عدة مرات الديوان الوطني لحماية الممتلكات الثقافية، من أجل إيفاد مختصين و معاينة الآثار التي تم اكتشافها بالصدفة في ابن زياد، لكنه اعترف بأن الوفد تأخر في الحضور مرجعا ذلك إلى اتساع صلاحيات هذه الهيئة التي تعمل على مستوى 48 ولاية في الوطن، قبل أن يتحدث عن صعوبات صادفتها مصالحه في حماية الممتلكات الثقافية لنقص الإمكانيات، داعيا البلديات إلى لعب دورها لتكون طرفا فاعلا، حسبه، في حماية الموروث الثقافي، في وقت يؤكد رئيس بلدية ابن زياد أن جزءا كبيرا من الأرضية التي اكتشفت عليها الآثار تابعة لملاك خواص، لذلك يصعب مراقبتها أو حراستها، و أكد أن هذه المهمة تبقى ضمن صلاحيات مديرية الثقافة. كنوز أثرية و مدن بأكملها مدفونة أسفل ابن زياد و بكيرة سكان المنطقة و أعضاء في جمعية "المبدوع" بابن زياد رافقونا في زيارتنا لمنطقة "القصر" الأثرية و التي تفاجأنا بغياب الحراسة حولها وبعدم وجود سياج على الأقل لحماية ما تبقى من الآثار التي تزخر بها المنطقة، حيث ذكر المواطنون أنهم وجدوا في المكان ذاته مستحثات (بقايا هياكل قديمة) و حيوانات بحرية متحجرة و كذلك أقواس رومانية تحت الأرض و ذلك بالصدفة خلال قيامهم ببعض الأشغال المنزلية أو الفلاحية، دون أن تتدخل، حسبهم، الجهات المعنية من أجل القيام بحفريات في المنطقة. و يأتي ذلك في وقت أكد لنا باحثو آثار مختصون من متحف سيرتا أن الكثير من القطع النادرة اكتشفت على مدى الأشهر الماضية في ابن زياد عن طريق الصدفة، آخرها قبور رومانية و حجارة مصقولة و أعمدة تعود للحقبة الرومانية أي لقرابة ألفين سنة مضت و ذلك في منطقة عين التراب الواقعة على بعد 13 كيلومترا من وسط المدينة، كما دفع كثرة الاكتشافات الأثرية في ضواحي المدينة بالوكالة الوطنية للمراقبة المنجمية، إلى توقيف نشاط ثلاث محاجر تبين أنها غنية بالكنوز الأثرية. و لا يستبعد الباحثون وجود مدينة أثرية كاملة لا تزال إلى يومنا هذا غير مكتشفة تحت ابن زياد، خاصة بعد أن عثر على أقواس و فسيفساء و آثار تدل على أن قصورا و منشآت تقع أسفل المنطقة و تعود للعهد القديم، باعتبار أن ابن زياد أو "كاستيلوم ماسكتارينس" وفق التسمية الرومانية القديمة، من بين المدن الأساسية التابعة للكنفدرالية السيرتية، لوقوعها في مكان استراتيجي و احتوائها على أكثر من 14 نبعا مائيا يسمح بممارسة الفلاحة. إلى جانب ذلك أكد الباحثون ل "النصر" أن منطقة بكيرة العلوية تنام أيضا على عدد كبير من القطع الأثرية النادرة جدا، خاصة بعد أن عثر على آثار تعود إلى فترة ما قبل التاريخ كالحجارة المصقولة الصغيرة التي كان يستعملها الإنسان البدائي للدفاع عن نفسه، غير مستبعدين أن يكون أسفلها أجزاء من مدينة رومانية بالنظر إلى طبيعة بعض القطع المكتشفة حديثا و منها قبور رومانية. اكتشاف آثار خلال حفر أساسات الجسر العملاق و مقابر رومانية بعلي منجلي أما بالمدينةالجديدة علي منجلي فقد توالت اكتشافات أثرية تتم بالصدفة خلال أشغال تمديد شبكات الصرف الصحي أو تشييد أساسات العمارات في مختلف الوحدات الجوارية، حيث عثر شهر أفريل الماضي فقط على مطامر يعتقد أنها تعود إلى فترة ما قبل التاريخ و أربعة قبور شيدت في الفترة الرومانية، و هو ما يرجح، حسب الباحثين، أن تكون المدينةالجديدة علي منجلي منطقة استقرار سابقة في العهد الروماني بامتهان سكانها الزراعة. و في اكتشاف لم يتوقعه كثير من الباحثين، عثر قبل أشهر قليلة خلال أشغال حفر أساسات الجسر العملاق في منطقة الفج بوسط مدينة قسنطينة، على مغارة بجانب مقر بنك القرض الشعبي الجزائري، ما اضطر الشركة المشرفة لوقف الحفر في أجزاء معينة و تغطية هذه المغارة، التي تقع في منطقة وعرة جدا يصعب حتى على الحيوانات الوصول إليها، ما يرجح فرضية أن تكون قد حفرت في فترة ما قبل التاريخ التي كانت تعرف انتشار الوحوش، و لجوء الإنسان لحماية نفسه داخل المغارات في فترات يطلق عليها الباحثون اسم "فترات اللاإستقرار". أما في بلدية مسعود بوجريو فقد عثر على معصرة زيتون قديمة و بعين اسمارة اكتشفت قبور رومانية أثناء أشغال توسعة مدرسة ابتدائية، في وقت عثر بالخروب على فسيفساء نادرة و بزيغود يوسف على حجارة قديمة مكتوب عليها باللغة اللاتينية. و يرجح أن تكون مدينة قسنطينة أيضا تنام على عشرات القطع الأثرية التي يصعب اكتشافها لأن أغلب المساحات أنشئت فوقها بنايات، فضلا عن موقع "تيديس" الذي لا تزال فيه كنوز لم تكتشف، حيث تعود آخر الحفريات التي تمت به إلى سنة 1962 من طرف الفرنسي "أندري بارتيي"، حسبما أكده لنا باحث في المتحف الوطني سيرتا. قطع نقدية رومانية تباع في السوق الموازية و تحيل حادثة ابن زياد لطرح تساؤلات كثيرة عن وضعية الآثار في مدينة مرت عليها حضارات متعاقبة و كانت تضم ما يسمى ب "الكنفدرالية السيرتية" في العهد الروماني، حيث اتضح لنا خلال تجولنا في المناطق الأثرية بابن زياد مدى الإهمال الذي تعرفه هذه "الكنوز"، إلى درجة أن بعض السكان استعانوا بها لتشييد منازلهم و اسطبلات الحيوانات. والأخطر من ذلك كله أن بعض المواطنين اعترفوا لدى تحدثنا إليهم، بأنهم وجدوا عن طريق الصدفة نقودا رومانية باعوها بأسعار تتراوح بين ألف و 3 آلاف دينار للسياح أو لأشخاص آخرين يُجهل إلى أين اتجهوا بهذه الآثار النادرة، و لم يخف هؤلاء استعانتهم بشبكة الانترنت لتقدير قيمة ما اكتشفوه، في وقت أسر لنا البعض أن هناك من عثر بالصدفة على سيف و خوذة كانت تحت الأرض. و قد أكد لنا مصدر موثوق بالمتحف الوطني سيرتا أن مصالحه تتلقى كل شهر تقريبا قطعة أثرية تحجز من قبل فرقة الأبحاث بالدرك الوطني و الشرطة القضائية بمديرية الأمن الولائي، و ذلك لإجراء الخبرة العلمية عليها، و معاقبة المعنيين إن ثبت تورطهم وفقا لما يقتضيه القانون رقم 98-4. يأتي ذلك في وقت تؤكد مديرية الثقافة أنها لم تسجل أية حالات سرقة آثارعدا حادثة تمثلت في حجز تمثال عثر لدى شخص و تبين أنه ليس أثريا، في حين أفادت فصيلة حماية التراث الثقافي بمديرية الأمن الولائي أن مصالحها لم تحصي منذ بداية السنة قضايا مماثلة، خصوصا و أنها لا تتحرك عادة إلا بعد تلقي على شكاوى يتم على أساسها القيام بعمليات الحجز و المداهمة. نقص الحفريات لقلة المختصين و أغلب الآثار تكتشف عن طريق الصدفة أظهرت الأرقام التي استقيناها من المتحف الوطني "سيرتا" أن أغلب الاكتشافات الأثرية بقسنطينة تتم عن طريق الصدفة، في حين يبرر علماء الآثار الذين تحدثنا إليهم سبب عدم القيام بحفريات منتظمة بغياب مختصين في المجال، و بالخوف من تلف الآثار في حال اكتشافها، لعدم توفر الإمكانيات اللازمة للقيام بعمليات الصيانة التي تحافظ على سلامة القطع، و ذلك بالاعتماد على قاعدة تقول أن "أفضل طريقة للحفاظ على الآثار هو تركها مدفونة تحت الأرض"، في وقت يبدي البعض تفاؤلهم بشروع الجامعة الجزائرية في تخريج مختصين في علوم الآثار، و يعيب البعض الآخر على الجهات المعنية عدم الاستعانة بباحثين أجانب من أجل القيام بحفريات قد تكشف عن كنوز أثرية يمكن أن تغير تاريخ البشرية بأكمله. و من أبرز المشاكل التي يطرحها المختصون في علم الآثار هو عدم العناية بالمواقع الأثرية و بقاء الكثير منها مهملا و دون عناية، حيث يعرف موقع أثري مثل "تيديس" إقبالا ضعيفا جدا بسبب مشاكل كثيرة منها عدم توفر النقل و الفنادق و المطاعم حوله، رغم القيمة التاريخية العظيمة للموقع مقارنة بمواقع في تونس ليس ذات قيمة أثرية كبيرة، لكنها تعرف إقبالا منقطع النظير من طرف سياح يدفعون أموالا طائلة لدخولها.الكنوز الأثرية التي تنام عليها قسنطينة و فضلا عن مساهمتها في كتابة تاريخ الإنسان، يمكن أن تدر أرباحا طائلة على ولاية تمتلك جميع المقومات التي تسمح لها بأن تكون من أهم الأقطاب السياحية في العالم، لكنها تنتظر تحركا جادا من الجهات المعنية من أجل نفض الغبار عنها. ي.ب