عندما يصل الحد بالآباء الموظفين إلى ترك صكوك موقعة كضمان بالمكتبات لأجل اقتناء حاجيات أولادهم المتمدرسين في الوقت المحدد لتجنب توبيخ المعلمين لهم أمام زملائهم، و ترجى البعض أصحاب المكتبات من أجل أن يمهلوهم إلى غاية بداية الشهر من أجل تسديد مستحقات الدخول المدرسي ، فالظاهرة تستحق الوقوف عندها أمام تزايد شكاوى الأولياء من غلاء المعيشة و التهاب أسعار الأدوات المدرسية هذه السنة بعد تضاعف سعر الغرض الواحد في وقت قياسي النصر رافقت عائلة تتكون من أربعة أبناء متمدرسين اثنان منهم بالطور المتوسط و آخر في القسم النهائي و الأصغر بالسنة الخامسة، و تتبعت يومياتهم بين أسواق الملابس و الأدوات المدرسية. بدر الدين موظف بمصنع عمومي للتركيب الآلي، لا يتجاوز راتبه الشهري ال30.000دج أخبرنا بأنه صرف ما يقارب 25.000دج على كسوة الأبناء الأربعة ، و قال أنه لجأ إلى الأسواق الشعبية بحثا عن الملابس المعقولة الثمن بعدما سجله من التهاب للأسعار في سوق الملابس بوسط مدينة قسنطينة ، و ذكر بأن سعر الحذاء الرياضي العادي جدا لم ينخفض سعره عن 1.200دج مؤكدا أن أبناءه رفضوا شراء هذه النوعية التي أطلقوا عليها اسم"سلعة شناوة" أو "سيبر فوحا"لما تفرزه من روائح لا تطاق حسبه، و هو ما اضطره لشراء أحذية مستوردة من صنع تركي بسعر 2.800دج ، لكن ب"الكريدي" لأبنائه الثلاثة الكبار، أما الصغيرة فاغتنم فرصة عدم اشتراطها و عنادها و أهداها حذاء عاديا بسعر 650دج. و أخبرنا هذا العامل (52سنة) بأن المساعدة المالية التي استفاد منها من مصلحة الخدمات الاجتماعية بالمؤسسة التي يعمل و المقدرة ب12.000دج لم تكف لسد و لو ثلث تكاليف الملابس الجديدة ، مسترسلا بأنه حمد الله كثيرا لتزامن عيد الفطر مع الدخول المدرسي وإلا لكانت الكارثة أكبرعلى حد تعبيره. و أضاف أنه فكرا مرارا في بيع سيارته الصغيرة من أجل مواجهة ضائقته المالية، لكنه كل مرة يفكر في مشاكل النقل و صعوبة التنقل من علي منجلي إلى مكان عمله بابن باديس ليتراجع عن قراره ، و يلجأ إلى الاستدانة و ليس من شخص واحد بل من عدة أشخاص في آن واحد كما أكد لأن كل الناس تأثروا بتزامن المناسبات الدينية مع الدخول الاجتماعي الجديد، و لا يقبلون قرض الأصدقاء مبالغ مهمة خوفا من صعوبة تسديدها في الآجال القريبة ، خاصة و أننا على موعد بمناسبة دينية أخرى (عيد الأضحى)بعد شهرين. و أسر للنصر بأنه استدان حتى الآن 45.000 دج بالإضافة إلى الأغراض التي اقتناها بالتقسيط ، و التي سيسدد تكاليفها بمجرّد تلقيه راتب شهر أكتوبر ، لتبقى ديونه الأخرى في قائمة الانتظار إلى حين تحسن الأوضاع. الإكثار من العجائن لإستدراك مصاريف الدخول المدرسي و قالت زوجته الماكثة بالبيت أنها تحاول قدر الإمكان التقليل من مصاريف البيت ،و اعتمادها على الإكثار من العجائن كغذاء لأبنائها حتى لا تحمل زوجها أكثر من طاقته خاصة و أن أسعار الخضر لا زالت ملتهبة كما في شهر رمضان. و أضافت أنها لجأت إلى خياطة المآزر لأطفالها بمفردها بعدما صدمت بسعر هذه الأخيرة في الأسواق ، حيث تراوح سعرها بين 450و 1400دج، مؤكدة بأن تكاليف شراء القماش لإعداد مآزر أبنائها الأربعة لم تتعدى ال600دج. غير أن كل هذه الترتيبات و التحايل على الظروف لم يجنب مؤشر ميزانية الأسرة من السقوط في نقطة الصفر، مع استلام الأبناء قوائم الأدوات الطويلة جدا، حيث صرفت هذه العائلة حتى أول أمس 4800دج على الابن أمير الذي يدرس في الصف الثالث متوسط و 4200دج على زكريا الذي التحق بالتعليم المتوسط هذه السنة، أما رقية فبلغت مصاريفها الأولى 4000دج في انتظار وصول أساتذة الفلسفة و الانجليزية فيما قدرت تكاليف أدوات معاذ الدارس بالطور الابتدائي2500دج دون احتساب ثمن الكتب الذي تجاوزت ال2400دج لكل تلميذ. و إذا قمنا بعملية حسابية بسيطة لكل ما صرفه رب العائلة على أبنائه في مدة لم تتجاوز ال15يوما، سنجد أن مصاريف هذه الأسرة تجاوزت 40800دج. و ما هذه سوى عيّنة بسيطة لرب عائلة يتمتع بدخل منتظم و مضمون كل شهر ، و إذا كان هذا حال من لديه دخل مادي فما بالنا بمن لا مصدر مالي له أو من يزيد عدد أفراد أسرته المتمدرسين عن الأربعة و ما أكثر هؤلاء ببلادنا؟ . و في جولة استطلاعية سريعة بين المكتبات بمدينة قسنطينة لاحظنا تذمرا كبيرا لدى الأولياء الذين بدت على وجوههم ملامح الحيرة و الخوف من المجموع الذي سينطق به البائع المكتبي بعد عملية حساب تكلفة قائمة الأدوات الطويلة، حيث أكد عدد من الباعة تضاعف سعر الكراريس مرتين عن السعر المعتاد، و قالوا أن سعر كراس 288صفحة مثلا زاد سعره من 80دج إلى 150دج أو 160دج حسب نوعية الورق مرجعين ذلك إلى الاحتكار الذي تعرفه عملية استيراد و تصنيع الورق ، و ارتفاع الأسعار بسوق الجملة.و ذكروا أن تضاعف الأسعار لم يقتصر على الكراريس بكل أنواعها بل حتى الأدوات البسيطة الأخرى كالأقلام. و انتقد عدد من الباعة المتعاطفين مع الأولياء ظاهرة اشتراط الأساتذة لماركات معينة و عدم قبولهم سواها، مضيفين بذلك أعباء إضافية على جيوب الآباء المرهقة بالمصاريف الكثيرة التي فرضتها المناسبات المتتالية. و تحدث الأغلبية عن المطالب المبالغ فيه لبعض المعلمين الذين لا يشعرون بظروف الأولياء و يحملونهم مصاريف أكثر بطلب نوعية أدوات غالية الثمن من نوع "مابيد"على سبيل المثال والتي يبلغ سعر علبة أقلامها ذات الحجم الكبير أكثر من 300دج. و ذكر البعض بأن ثمة من المواطنين من يتركون صكوكا بنكية بقيمة مستحقات المقتنيات كضمان لأصحاب المكتبات إلى غاية تسديدها مع بداية الشهر القادم. مريم/ب