تقنيات البلازما تحيل أمهر مصلحي أجهزة التليفزيون و المذياع على البطالة تتجه حرفة إصلاح أجهزة الراديو والتليفزيون نحو الزوال والاندثار بعد أن ولى عصرها الذهبي تأثرا بالتقدم التكنولوجي الذي شهد قفزة سريعة و نوعية في القطاع السمعي البصري، مما جعل فئة واسعة ممن احترفوا هذه المهنة قبل عشرات السنوات يحالون على البطالة أو يتوجهوا لممارسة حرف أخرى، خاصة هؤلاء الذين لم يتمكنوا من مواكبة العصر بتجديد معلوماتهم. بالمقابل تمسك العديد من مصلحي هذه الأجهزة بحرفتهم و واصلوا التعامل مع شريحة المواطنين الذين حالت ظروفهم المادية دون اقتناء أجهزة تلفزيون بلازما. وفي ظل اختفاء قطع غيار الأجهزة القديمة يعتمد هؤلاء المصلحون على الأجهزة الخردة التي تخلى عنها أصحابها كمصادر للحصول على قطع غيار يستعملونها لتصليح أجهزة زبائنهم يقول عمي بلقاسم لعور ثاني أقدم مصلح لأجهزة الراديو والتلفزيون بعد المرحوم عبد الله صغير في عين عبيد ولاية قسنطينة. زرنا محل عمي بلقاسم في حي الشريف مهدي على الساعة ال 11 صباحا، فوجدناه مغلقا فتوجهنا إلى بيته .خرج إلينا بابتسامته المعهودة قائلا لنا أنه لم يعد يفتح محله بعد أن تراجع عدد زبائنه بشكل ملفت ومن يحتاج إلى خدماته يطرق باب منزله الملحق بمحله في الحي الهش الذي يسكنه المعروف باسم ضريبينة . فتح باب المحل من الداخل ففاجأنا التكدس الكبير لأجهزة التلفزيون من النوعيات القديمة التي يتخذ منها مصدرا لكسب رزقه باستعمال قطع غيارها في تصليح أجهزة زبائنه المقيمين بالحي الذين حالت ظروفهم المادية دون مواكبة العصر بالأجهزة الحديثة إضافة إلى آخرين من الذين يحبون تتبع الأخبار عن طريق المذياع وخاصة عبر موجات "أف أم "'وكذا أصحاب بعض أجهزة راديو السيارات على قلة عددهم. عمي بلقاسم وبعد مشوار طويل في هذه الحرفة وجد نفسه في الكثير من الأوقات لا يستطيع أن يحصل على دخل يلبي احتياجات يومه، مما جعله يتجه إلى مصادر أخرى لكسب رزقه وهو يفكر بجدية في الإطلاع على طريقة إصلاح الأجهزة الجديدة وقد تناهى إلى مسامعه أن إصلاحها ربما يكون أسهل،لكنه لم يخض التجربة بعد ويتحين الفرصة لذلك. إنه يكتفي اليوم بإصلاح أجهزة راديو بعض الزبائن عن طريق قطع غيار يأخذها من الأجهزة القديمة،فتجد مثلا مذياعا زر تشغيله ملصق خلفه فغياب قطع الغيار الأصلية من السوق بعد ظهور وسائل جد حديثة يدفع الحرفي إلى البحث عن بدائل لتشغيل هذه الأجهزة .و المعروف أن الهواتف النقالة أصبحت تضم في تطبيقاتها المذياع إضافة إلى تقنية "البلوتوث" في السيارات. الرجل تعلم الصنعة في نهاية السبعينيات في سيدي بوعنابة في السويقة وسط قسنطينة ونقلها إلى مسقط رأسه عين عبيد حينما كان الطلب عليها كبيرا جدا بعد المنافسة الكبيرة في عاصمة الولاية وانتشار التلفاز بشكل واسع آنذاك . لكنه وجد نفسه اليوم بعد مشوار طويل قد تعلم حرفة عبثت بها يد تقدم تقنيات البث والاستقبال السمعي البصري مما حرمه من تقاعد مريح بعد عمر طويل إنشاء الله. علما بأننا التقينا على هامش أمسية أندلسية في ديوان مؤسسات الشباب لولاية قسنطينة بالفنان القسنطيني حسان برمكي الذي عمل سابقا مصلحا لأجهزة الراديو والتلفزيون، و قال لنا بأنه تخلى عن هذه الحرفة بعد أن تراجع الطلب عليها و تطورت الأجهزة التي كان متخصصا فيها وتحول إلى الأعمال الحرة مؤخرا. يحدث هذا بعد سنوات طويلة قضاها في ذات المهنة التي شغف بها كثيرا في عز مجدها وأوج ازدهارها. و كان إصلاح الراديو و أجهزة الكاسيت ،حرفة السيد:س.عمر لسنوات طويلة أيضا حيث كان يمارسها كل مساء لتحسين دخله ،لكن مع تراجع الزبائن والطلب على محله وحل الشركة التي كان يعمل فيها تحول في نفس الرواق إلى بيع الأجهزة المنزلية وأصبح يقدم لمن يقصده من زبائنه خدمة ترقيع أجهزة تجفيف الشعر والمكواة وأجهزة أخرى بعد أن اختفت من السوق قطع غيار المذياع و جهاز تشغيل أشرطة الكاسيت في عصر بطاقة الذاكرة والقرص المضغوط و"البلوتوث". و في ظل التطور الكبير الذي عرفته الوسائل السمعية و البصرية تتواصل إحالة الكثير من حرفي إصلاح أجهزتها على البطالة مجبرين مع تسجيل تراجع مبيعات الأجهزة من الطراز القديم وعلى رأسها التلفاز.ففي مدينة عين مليلة صادفنا مؤخرا أحد الزبائن يبحث عن جهاز من النوع القديم لكنه عاد خائبا دون أن يلبي رغبته بفعل تقدم التكنولوجيا الذي حرمه من ذلك و يجبره على التكيف مع العصر و خصائصه و أجهزته.