أنا في حيرة ..لذا أفضل العودة إلى الغناء القديم قالت أنها تفضل إعادة إحياء روائع الطرب العربي على أن تقدّم الأغاني الملحنة خصيصا لها، رغم إشادة الكثير من الملّحنين بصوتها القوي و قدراتها الفنية العالية، فاختارت تجسيد مشاريع متميّزة تقوم من خلالها باستحضار روح المطربين الراحلين، حيث غنت لأم كلثوم و اسمهان و السيد درويش و غيرهم.إنها المطربة التونسية درصاف الحمداني التي خصت النصر بهذا الحوار خلال زيارتها الثالثة لمدينة قسنطينة. -تتعاملين كثيرا مع دور التسجيل الفرنسية، هلا أخبرتنا عن السبب؟ - الواقع التعامل لم يكن اختياريا بل وجدت نفسي مضطرة لذلك من أجل التعريف بالفن التونسي، بالإضافة إلى نقص التوزيع الفني في تونس الذي حرّم الكثير من الفنانين فرصة الانتشار خارج الحدود التونسية رغم نجاحهم و تميّزهم. -حدثينا عن إصرارك على أداء الأغنية الطربية في زمن الريتم السريع و الصاخب و فن الإغراء؟ - أنا معروفة بعنادي و إصراري على التحدي خاصة عندما يتعلّق الأمر بفني، و أميل أكثر للأصالة، مهما كانت صعوبتها، فأنا كباحث يريد نفع الآخرين من حوله بأبحاثه التي تعب في تجسيدها، و كلما شعرت بقدرتي على تحقيق شيء لا أهتم بالمتاعب أو المصاعب التي سأواجهها ، لأن أكثر ما يهمني هو النتيجة و الوصول إلى هدفي، لأنني متأكدة من بقاء كل ما هو صادق و ذا مغزى. فالفن وجد لإمتاع الناس و تقاسم الأحاسيس الجميلة معهم، و ليس هناك أفضل من الطرب الأصيل للارتقاء بالنفس و الذوق. و كل إنسان مهما انساق وراء كل ما هو جديد من موجات موسيقية اعتبرها عابرة، إلا و عاد للبحث عما هو جميل و أصيل. -ما سر اهتمامك بالصور الشعرية الذي يبرز جليا في إصرارك على الغناء من بديع الأشعار العربية؟ - الكلمة هي المنبع، و حبي للشعر كبر معي فبالإضافة إلى اسم عائلتي الحمداني الذي يعود إلى أسرة الحمدانيين و ما يوحيه من أسماء فطاحلة الشعر، فأنا متخرجة من كلية اللغات و الأدب العربي، و عليه فإن عمق الكلمة يعني لي الكثير حتى لو لم تكن عربية فصحى، و تأتي الموسيقى بالنسبة لي كتكملة لإبراز جماليات هذه المعاني، فالكلمة بالنسبة لي كالطبخة التي لا تكتمل إلا بحسن انتقاء البهارات ، و هذا سر اختياري للأشعار الجميلة سواء كانت موّشح أو قصيد، و لا أقدّم إلا ما أشعر بأنه يروق لي. -تؤدين مختلف المقامات، لكن يبقى مقام الرصد أكثر ما يطبع أكثر أغانيك، لماذا؟ -الرصد سيّد المقامات كما يقال، و اهتمامي بالتركيبة اللحنية التي تمس و تأسر الأحاسيس أكثر من اهتمامي بنوع المقام فقد يكون سيكة أو رصد أو بياتي أو ماية، المهم أن يصل إلى المتلقي. -ماذا عن ميلك للأغنية الصوفية؟ - ميلي للأغنية الصوفية يعود إلى علاقتي بالروحانيات و الوجدانيات و تأملاتي في الطبيعة و إبداعات الخالق، الشيء الذي يجعلني أنساق وراء الأناشيد و كل ما يمس الروح و يتغنى بعظمة الخالق. -أي الطبوع تفضلين؟ -السؤال يقودنا مرة أخرى للتحدث عن الروحانيات، فالمالوف أيضا لا يخلو من الجانب الروحي . و أنا شخصيا أحب أداء ما يسمى عندنا بتونس ناعورة الطبوع التي أشعر بأن فيها سر لا أفهمه ، و هذا السر قد يكمن في تركيبة اللحن أو في الطوالع أو ما نسميه عندنا بالتطريز الموسيقي، و كل تلك الجماليات التي تشدنا و تأسرنا. و لعلّ من أكثر الطبوع التي تأسرني طبع السيكة التونسية التي أحبها جدا و كذا طبع رصد الذيل و الماية و الأصبعين و الرمل..و غيرها من الطبوع الجميلة التي أحب غناءها. -لمن تستمع درصاف الحمداني في المالوف القسنطيني؟ - سمعت و استمتعت كثيرا بغناء الحاج محمد الطاهر فرقاني، و غيره من فناني المالوف الذي كان لي شرف الالتقاء بهم في مهرجانات المالوف التي كان لي حظ المشاركة فيها لثالث مرة على التوالي. -حدثينا عن تجربتك في فن الغناء المسرحي؟ - بالفعل يستهويني الغناء المسرحي و إن كانت تجربتي فيه قليلة جدا، حيث شاركت في مهرجان قرطاج ببعض القصائد المغناة، و هذا الفن مفعم بالأحاسيس المجّسدة إن صح التعبير، لما يحتويه من تحرّك على الركح و تمثيل، و أتمنى لو أنني أنمي موهبتي أكثر في هذا الفن، و أقدم لوحات أخرى عن عمالقة الطرب العربي مثلما فعلت في عرض "درويش درويش"الذي كان لقاء افتراضيا جميلا بين السيد درويش و الشاعر محمود درويش. -مع من ترتاح درصاف في تعاملاتها الفنية و بشكل خاص الملحنين؟ - أحب التعامل مع الملحنين الكبار و على رأسهم الطاهر غرسة الذي كان لي الشرف في أداء أغنية لحنها لي شخصيا، و كذا الملّحن رضا الشمك، و أتمنى التعامل مع ملحنين عرب كزياد الرحباني. -رغم إشادة كبار الفنانين و الملّحنين بقدراتك الفنية المتميّزة غير أنك تفضلين الغناء لغيرك، لماذا ؟ - أنا متأنية جدا فيما أقدمه، كما أنني في حيرة و لدّي تساؤلات كثيرة حول واقع الموسيقى في العالم العربي، لذا أفضل العودة إلى الغناء القديم و فن الزمن الجميل وفاء لعمالقة الطرب العربي، و هو ما أحاول تجسيده من خلال مشاريع فنية مثل مشروع "ثومة"الذي شدونا من خلاله بأبدع ما غنت أم كلثوم، و حاليا نحن بصدد تقديم "أميرات الطرب"و الذي نتغنى من خلاله بروائع فيروز و اسمهان و أم كلثوم. م/ب /تصوير شريف قليب