يحق الآن للجزائريين أن يفتخروا ويعتزوا بمنتخبهم الوطني، ليس لاقتطاعه تأشيرة المرور إلى المربع الذهبي من الكان بعد عشرين سنة من الانتظار، ولا لحجزه مكانة في المونديال بعد قرابة ربع قرن من الغياب، ولكن لامتلاكهم منتخبا كبيرا كبر طموحات وآمال الشعب الجزائري، منتخب أعاد الفرحة والبسمة وزرع الأمل بإنجازات ومكاسب رفعت الراية الوطنية عاليا في المحافل الدولية وفوق المنازل والمحلات والمركبات. محاربو الصحراء الذين قهروا الفيلة في ليلة مجنونة حين جردوها من أنيابها وحجزوا لها على أول طائرة، لم يسرقوا الانتصار ولم يستفيدوا من ضربة حظ ولا من هدية من الحكم السيشيلي الذي تعامل مع "فنانينا" بعقلية افريقية، فجاء الاعتراف من المنافس قبل المتتبع الحيادي، لقد أكد إنتصار ليلة الأحد جودة المنتوج الجزائري ونضج منتخبنا الذي قهر أكبر مرشح في الدورة فنيا وبدنيا وتكتيكيا، فوقف الجميع على تفوق الخضر وأحقيتهم صفة الطرف الأفضل على مدار 120 دقيقة من الإثارة والتنافس الذي حبس الأنفاس. تأهل أكد جودة المنتوج الجزائري و اكتساب هذا المنتخب شخصية يستمد منها قوته وقدرته الفائقة على قلب الموازين والمعطيات والعودة من بعيد جدا، فقد تعرض رفقاء زياني لسيناريو هيتشكوكي نسجت خيوطه "أطراف خفية" وأخرجه بإبداع حكم غيني عند استضافة رواندا في ملعب مصطفى تشاكر وعرف يومها كومندوس سعدان كيف يبطل "المؤامرة" ويسجل هدف الاطمئنان في الوقت بدل الضائع، وبعدها بشهر تألق محاربو الصحراء في الخروج من كمين ستاد ناصر بأخف الأضرار وجروا الفراعنة إلى ملعب المريخ بأم درمان أين كان المستطيل الأخضر هو المحك والفيصل، رغم الإجهاد البدني الناتج عن خوض مباراة فاصلة و التدمير النفسي الذي أعقب حادثة الاعتداء على حافلة المنتخب، وكان لزاما على أشبال سعدان أن ينهلوا من مخزونهم الذهني في كان أنغولا نتيجة سقوطهم المدوي أمام منتخب مالاوي، قبل أن ينتفضوا ويهزمون مالي بنجومها وينتزعون نقطة التأهل من صاحب الضيافة. ولم تتوقف معاناة الخضر عند هذه المحطة، جاء لقاء كوت ديفوار الذي وصفه المتتبعون بالنهائي قبل الآوان ليثبت قوة شخصية منتخبنا وقدرته الفائقة على التعامل مع الأحداث والمتقلبات، ومرة أخرى يجد "الماجيك" ورفاقه أنفسهم في وضع لايحسدون عليه، إذ لم تمر سوى ثلاث دقائق عن ضربة البداية حتى وجه سالامون كالو ضربة موجعة للخضر بمنح منتخب بلاده التقدم، وإعلان كوت ديفوار مرشحا بحق للمرور إلى المربع الذهبي، قبل أن ينتفض "المحاربون" ويثبتون علو كعبهم وعدم اعترافهم بالمعطيات النظرية وترشيحات الورق، فأسقطت رصاصتا مطمور و بوقرة "الفيلة" أرضا قبل أن يتولى بوعزة إطلاق رصاصة الرحمة مع بداية الوقت الإضافي الذي تثاقلت فيه الأرجل وأستنجد غزال ومطمور وبوقرة والآخرين بمحرك النجدة "القلبي". إن من اعتقدوا حين سجل عبد القادر كايتا أن الفيلة قد سرقت الفوز والفرحة من "الجزائر" أخطأوا الحساب والتقدير لأن كومندوس الشيخ رجال واقفون يحملون الوطن في القلب، وعقدوا العزم على الذهاب بعيدا في الكان وإطالة أفراح الجزائريين في كل مكان.