أطفال يحرمون من اللعب و يخشون النوم العميق تحوّلت حياة الكثير من الأطفال المصابين بداء هشاشة العظام إلى جحيم، جرّاء تكرار حالات الكسر لديهم. فهذه الفئة محرومة من اللعب و الجري و القفز و حتى التحرك بتلقائية لأن أي حركة غير محسوبة أو حادث بسيط قد يعرضهم لعجز قد يدوم عدة أشهر. و لا تشكل الحوادث الهاجس الوحيد في حياة المرضى الصغار لأن غلاء الأدوية التي يصل سعر العلبة الواحدة منها إلى 4 ملايين سنتيم ضاعف معاناة الأولياء الذين يضطر بعضهم للتديّن و يلجأ البعض الآخر إلى المحسنين لأجل الحصول عليها و كلهم أمل في إنقاذ فلذات أكبادهم من الإصابة المستديمة مثلما حدث مع الكثير منهم. فمجرّد الانحناء أو الوقوع أو حتى التحرك في الفراش بشكل تلقائي يعرّض مرضى هشاشة العظام إلى كسر أطرافهم، مما يدفع أولياءهم للتعامل معهم كحالة خاصة يجب مراقبتها طوال الوقت و تذكيرها بعدم اللعب أو العراك أو القفز، لأن أي حركة عفوية قد تعرضهم لكسر أحد عظام جسمهم الهش، كما يضطر الأهل لتذكير مدرسي أبنائهم منذ بداية السنة و إطلاعهم على حالة صغيرهم، من باب التنبيه من عواقب الضرب التي لا تتحملها هذه الفئة مثلما حدث مع تلميذ في حي بن الشرقي الذي لم يكن أستاذه على علم بحالته المرضية و تصرّف معه كما تعوّد مع باقي التلاميذ ليتفاجأ بتضاعف حالة التلميذ، مما دفع بمدير المؤسسة التربوية التي وقع بها الحادث غير المقصود إلى تذكير طاقمه بالحالات المرضية و على رأسها هشاشة العظام أبناء يتوارثون المرض الطفلة رميسة بوعناني التي زارتها النصر بمنزلها الكائن بالحي الشعبي شطابة بمنطقة بن الشرقي، عيّنة من عشرات الحالات التي تعيش عائلاتها الأمرين من أجل توفير العلاج لها و إنقاذها من كابوس الإصابة بمرض مزمن قد تعاني منه طوال حياتها. فرميسة البالغة من العمر 9 سنوات توارثت كباقي إخوتها المرض من الوالد الذي عمل المستحيل لإنقاذ صغاره من المضاعفات الناجمة عن داء يظن الكثيرون أنه يصيب المسنين أكثر من غيرهم، لكنه في الواقع يصيب كل الفئات و يمكن أن تظهر أعراضه منذ سن مبكرة غالبا ما يخطئ المختصين في تشخيصها لتقاربها مع لين العظام الذي يرافقه نقص في معدن الكالسيوم و الفوسفات و ارتفاع إنزيم العظم البناء حسب الدكتور المختص نوار سيف الدين الذي أكد بأن مرض هشاشة العظام يعرف تزايدا ملفتا عند فئة الأطفال و يحتاج إلى اهتمام و تعمق في البحث و الدراسة أكثر من أي وقت مضى على حد تعبيره، مشيرا إلى الحالات التي حرمت من فرصة العلاج و الشفاء التام من المضاعفات الخطيرة لهذا المرض، إن هي خضعت للمتابعة و العلاج المنتظم قبل سن البلوغ. و خلال زيارتنا لعائلة بوعناني التي عانى أبناءها الأربعة من داء هشاشة العظام، أسرت أم رميسة بأنها لم تعد تنم الليل و هي تفكر في طريقة الحصول على علاج لصغيرتها حتى لا يكون مصيرها مثل شقيقها الذي بلغ سن السادسة عشر و لم يشف من مرضه لأنه لم يستفد من العلاج في الوقت المناسب بسبب ندرة و غلاء الدواء الذي يحافظ على كثافة العظم الطبيعية و بالتالي حمايتهم من مضاعفات الكسر المتكرر للأطراف و بشكل خاص على مستوى الورك، الساعد و القدم. و تذكرت أم رميسة بحرقة ابنها المتوفي الذي كان ضحية سقوط بورشة بناء، و تسببت هشاشة عظامه في إصابته بكسور خطيرة بمختلف أنحاء الجسم، ففارق الحياة تاركا غصة في قلب والدته التي عزمت على محاربة الداء و إنقاذ باقي أطفالها من أخطاره. و تحدثت أم رميسة كيف أن النوم فارق جفونها لفرط تفكيرها في صغيرتها التي لا زالت في حاجة إلى دواء "آريديان"الذي يقدّر سعر العلبة الواحدة منه 4 ملايين سنتيم، آسرة بأن زوجها قام بشراء علبتين مقابل 8 ملايين سنتيم ليتفاجأ عند تعويض صندوق الضمان الاجتماعي له بالقيمة المعوّضة و التي لم تتجاوز 3ملايين، الشيء الذي ضاعف يأسه و خوفه من عدم تمكنه من توفير العلاج لصغيرته فيكون مصيرها كمصير شقيقها محمد الذي وصل سن البلوغ دون استفادته من العلاج المناسب، ليبقى ضحية مرض مزمن تتضاعف أعراضه و تتفاقم كلما تقدّم في السن. ذكرت السيدة بوعناني بأن صغارها لم يتمكنوا من التعايش مع مرضهم و يعانون كثيرا كلما أصيبوا بكسور مهما كان مستواها. لؤي يخشى الاستسلام للنوم العميق خوفا من تكرر كسر عظم كتفه من أغرب الحالات التي تحدثنا إليها خلال قيامنا بهذا الاستطلاع حالة لؤي سلطان صاحب ال 14ربيعا الذي أخضع لعملية جراحية على مستوى الكتف بعيادة مختصة بشلغوم العيد. لؤي قال مازحا بأنه تعوّد على الكسر و الآلام الذي يسببها و بشكل خاص على مستوى يده اليمنى التي غالبا ما تكون ملفوفة بحاملة ذراع طبي، مسترسلا بأن كابوس الكسر رافقه منذ كان في سن السادسة عندما أصيب بكسر على مستوى القدم اليسرى و الذي تكرر معه أكثر من ست مرات، قبل أن يصاب بكسر على مستوى الكتف بسبب عناده مثلما قال لأنه رغب في ممارسة كرة القدم و فعل ذلك دون علم والديه، فأصبح منذ 2011 يخشى الاستسلام للنوم العميق خوفا من القيام بحركات غير إرادية يدفع ثمنها غاليا، آسرا بأنه تعرض لكسر كتفه للمرة الثانية خلال نومه و لم يعد يتحمل المزيد. وقد أخضع مؤخرا لعملية جراحية دقيقة بعد أن أصبحت عملية الجبر العادية لا تجدي نفعا معه. و قال عدد من الأطفال المرضى بأنهم يتمنون الشفاء حتى يتمكنوا من ممارسة الرياضة التي حرموا منها كما حرموا من كثير من النشاطات و الألعاب العادية مثلما ذكرت نهاد (12سنة) التي دخلت المستشفى الجامعي ابن باديس لأجل الخضوع للعلاج. نهاد قالت بنبرة حزينة بأنها ملت المكوث في المستشفى و العودة إليه مرة كل ثلاثة أشهر للاستفادة من حقنة "آريديان". مرضى يلجأون للطب الشعبي بعد عجزهم في توفير تكاليف العلاج اعترفت بعض المواطنات من أمهات الأطفال المصابين بداء هشاشة العظام بأن حالة اليأس التي مررن بها بسبب عدم توفر الأدوية دفعهن للبحث عن البديل في مجال الطب الشعبي و يستعملن وصفات تقليدية أهمها تلك المصنوعة من الليمون و "الجبار" و "الحديدة" التي يرى البعض بأنها ناجعة فيما يرى البعض الآخر بأنها مجرّد مستحضر يخفف الألم و لا يمكنه تعويض الأدوية الحديثة في توفير المكونات المكثفة للعظام.