الدخول الصعب لفيلسوف الهوية النقية إلى الأكاديمية الفرنسية يرتدي لباسا أخضر و يمتشق سيفا، ليدخل حظيرة الخالدين بعد انتخابه عضوا للأكاديمية الفرنسية العريقة، لكن الفيلسوف ألان فينكيلكروت الذي حصل على 16 صوتا في الدور الأول من بين 28 مشاركا حصد أيضا ثمانية أوراق تصويت تحمل علامات صليب دليلا على أنه مرفوض. الفيلسوف البالغ من العمر 64 سنة، لا يزال مثيرا للجدل، بالرغم من كونه معروفا في بلاتوهات التلفزيون، و يقدم حصة بعنوان «ردود» على أمواج اذاعة فرنسا الثقافية، فهو مثار تحفظ لدى السادة الوقورين في رصيف كونتي، بوصفه شخصية مثيرة للجدل بحسب ما يقول المرافضون لدخوله الأكاديمية الفرنسية، و يلمح هؤلاء إلى شيء من العنصرية في شخصيته قائلين أن الجبهة الوطنية حزب اليمين المتشدد بقيادة مارين لوبان دخل الأكاديمية. قال في حوار مع مجلة ديرشبيغل الألمانية ردا على شعوره بالحزن تجاه فرنسا الحالية أنه «يتألم لرؤية المثال الفرنسي للحضارة الأوروبية مهددا، و أن فرنسا تتحول إلى دولة ما بعد الوطنية متعددة الثقافات، و أعتقد أن هذا التحول لن يأتي بشيء مفيد». هذا الخطاب الكريه من فيلسوف فرنسي يعرف معنى عصر الأنوار يراه بعض مؤيديه معقولا و يقولون إنه «شخصية تملك كل المواصفات» لدخول الأكاديمية الفرنسية التي ضمت في عضويتها كبار العقول و المفكرين الفرنسيين من كتاب و فلاسفة و مؤرخين، و يصفونه بانه «مثقف لا غنى عنه» و من بينهم بيار نوراو ماكس غالو و هيلين كارير دونكوص السكرتيرة الدائمة للأكاديمية التي أسسها رجل الدولة الفرنسي ريشليو عام 1635. هدد الكاتب جين دورميسون أنه إذا لم يتم انتخاب فينكيلكروت عضوا في الأكاديمية فلن تطأها قدماه بعد ذلك، و هي مواقف تتناقض مع قوانين و نظم الأكاديمية و لكن دورميسون اعتاد على تلك المواقف و بنفس القوة دافع عن عضوية مارغريت يورسنار كأول امرأة تدخلها سنة 1980. تنافس مع فينكيلكروت مؤلف «فشل الفكر»، «إنترنت»، «الشغف القلق»، و «جدل المدرسة» لعضوية الهيئة الوجيهة خمسة مترشحين لخلافة مقعد الكاتب فيليسيان مارسو المتوفى قبل عامين هم جيرار دو كورتانز صاحب جائزة رونودو 2002 عن كتابه «أسام» و أليكسي أنطوا و إيف دونيس دولابورت و روبرت سبيتزهاك و أثاناز فانتشاف دو ثراسي. أثار الفائز جدلا بنقده للحداثة و معارضته للسياسة المستقيمة و خصوصا بكتابه نهاية العام الماضي الناجح حول الهوية الوطنية و الهجرة بعنوان الهوية التعيسة و كان أحد معارضي رأيه الوزير الأول مانويل فالس الذي كان حينها يشغل منصب وزير الداخلية. رد على سؤال دير شبيغل عن سبب حزنه للتعدد الثقافي قائلا أن النموذج ما بعد الدولة الوطنية يقدم لنا على أنه نموذج للمستقبل. لكن التعدد الثقافي لا يعني أن الثقافات تمتزج، فغياب الثقة هو الغالب في النهاية و تجتاح تلك المرحلة مشاعر الانتماء الطائفي و الفئوي و من خلالها تظهر مجتمعات موازية لمجتمع الدولة الوطنية و تتباعد تلك الهويات الثقافية تدريجيا. لكن الصحافيان ماثيو فان روهر و رومان لييك الذين أجريا الحوار سارعا بسؤال الفيلسوف ألا تخدم هذه الطروحات سياسات اليمين المتطرف؟ فأجاب أن «الجزء الأسفل من الطبقة الوسطى الذي لا يسميهم أحد اليوم الفرنسيون الأصلاء يغادرون الضواحي الباريسية و ما وراءها نحو الأرياف، و ذلك بعدما رأوا أنهم في بعض المناطق من العاصمة باريس صاروا أقلية في بلدهم، هم لا يخافون من الآخرين لكن من أن يصيروا هم أنفسهم الآخرون»، قيل لفينكيلكروت أن فرنسا كانت على الدوام بلدا للمهاجرين فرد « القول بأن المهاجرين كانوا على الدوام من المكونات الأساسية للهوية الفرنسية مألوف لكنه غير صحيح، فالعمال المهاجرين بدأ توافدهم في القرن التاسع عشر، و لم تفتح الحدود الفرنسية أمام الغرباء الا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. قال ان المهاجرين ينبغي أن يجري إدماجهم في الثقافة الفرنسية و كانت تلك قاعدة اللعبة في السابق لكن الكثيرين من الوافدين الجدد لا يريدون أداء هذه اللعبة و لا فرضها عليهم. و حين يكون المهاجرون هم الاغلبية في الضواحي فكيف يتم ادماجهم؟ و الكثيرون من مسلمي أوروبا أعادوا أسلمة أنفسهم ، و المرأة التي ترتدي النقاب تعلن بوضوح و بالفعل أن علاقتها بغير المسلم مسألة غير مطروحة بتاتا». و نفى الجذور المادية المرتبطة بعنف المهاجرين الذين يعانون التهميش قائلا أن اليسار يقدم تلك النظرية و لا يفسر سبب معاداة السامية و لا الانتقاص من النساء في الضواحي الفقيرة. و يقول ع الفيلسوف نافيا عن نفسه تهمة رعاية خطابات اليمين « اهدافي ليست سياسية أنا أكتب لأكشف ما يبدو لي و كأنه شيء من الحقيقة و التهديدات لا يمكن أن تكون مبررا لإغراق السمكة. و لكن المقعد 21 الذي احتله في النهاية متآلف مع الجدل، فقد أثار حصول سابقه فيليسان مارسوا عليه عاصفة في بلجيكا التي حكمت عليه بالسجن غيابيا لمدة 15 سنة بعد تحريرها من الاحتلال النازي. و فينكيلكروت هو ابن يهودي مرحل من معسكر الاعتقال النازي في أوشفيتز و لد يوم 30 جوان 1949 بباريس من أصول بولونية. قال عنه صديقه ميلان كونديرا «أنه لا يعرف كيف لا يتفاعل» و قد كان من أوائل الذين رافعوا لصالح التدخل العسكري الغربي في يوغوسلافيا سابقا.