أنصح الحكام والمحكومين بالحوار الهادئ تنشر النصر في هذا العدد حوارا مع العلامة الفقيد أحمد إدريس عبده الذي توفي مؤخرا ورقد إلى الأبد بمقبرة التلاغمة بعد رحلة علمية طويلة قضاها بين التدريس والتأليف. وقد احب الفقيد الجزائر واتخذها وطنا. ووجب التنويه أن هذا الحوار أجري خلال الملتقى الدولي الرابع للسنة النبوية. * حاوره الإمام سليم عبد السلام بيدي ما شعوركم وقد كرمتم اليوم بعد أكثر من 40 سنة من العطاء في بلد الجزائر المعطاء ؟ سلام الله عليكم والله أحيانا أن الإنسان يخفي في نفسه أمورا كثيرة ولا يستطيع أن يترجم ذلك . شعوري كبير بهذا التكريم خاصة أنه جاء مفاجئة حتى أبنائي فوجئوا بهذا التكريم ؛ وجاء هذا التكريم وصحتي غير طبيعية وإلا شاركت بمداخلة في هذا الملتقى . وهذا التكريم لن أنساه أبدا . لماذا تخصصتم في أصول الفقه ؟ وما مكانة هذا العلم في الدين وفي الواقع ؟ تخصصي الأساسي هو أصول الفقه في ثلاث مرات مرة في الكلية كسائر الناس ومرة في الدراسات العليا ومرة عند سماعي أحد الأصوليين الكبار حين قال : أن علم أصول الفقه هو قانون الشريعة فدخلت هذه الكلمة في قلبي واهتماماتي أصول الفقه أو الفقه المقارن ولذلك أنا عندما تخصصت في الفقه المقارن كنت أقرأ كثيرا في تخصصي في كلية الشريعة ولما ذهبت إلى مصر حاروا في الأمر لكثرة حفظي واستعابي فقلت لهم لا تستغربوا فعمي من أكبر الفقهاء والعلماء في زمانه حيث كان يسكن المدينةالمنورة ثم في مكة ثم في اليمن وكان فقيها محدثا للبخاري ومسلم ولما عاد هو الذي أرشدني وشجعني للسفر لطلب العلم وأغلب ما درسته كان بالحس والحفظ ونصحني أحد الأكابر للسفر إلى مصر فدرست في الأزهر الشريف وكانت أمنيتي الذهاب إلى الجزائر خاصة وأنها قامت بثورة فريدة في العالم ونالت ستقلالها . أتيتم من اثيوبيا ثم سافرتم إلى السودان واليمن ومصر ثم الجزائر فما سبب استقراركم في الجزائر ؟ في الحقيقة لم أسافر ولم أتجول كثيرا وأنا والحمد لله لما كملت الدراسة وحفظ القرآن في بلدتي نصحني أحد أكابر بلدتنا وعمي الفقيه بالسفر للعلم لما رأوه من نباهتي وسبب مجيئي للجزائر بعد تخرجي مباشرة من الأزهر وكنت من الأوائل فأكرمني الرئيس جمال عبد الناصر بالإنتداب فاخترت الجزائر فتوجهت للسفارة الجزائرية فقالوا لي الجزائر المستقلة ترحب بكم ؛ فدخلت الجزائر يوم 05 أكتوبر 1969 واليوم أكملنا 42 سنة . وعند دخولي الجزائر بعد يومين عينوني بمعهد قسنطينة ضمن التعليم الأصلي سابقا الشؤون الدينية حاليا ثم كان الفضل للشيخ أحمد حماني { رحمه الله } لحصولي على الجنسية الجزائرية خرجت من الجزائر لزيارة والدتي سنة 1972 ثم لم أزر بلدي حتى عام 1982 الشيخ كان يقول لي لن تخرج من الجزائر وهو يضحك معي فأرد عليه نعم أصبحت جزائريا وأصبح بلد الجزائر أعز من بلدي لأن ما عشته في هذا البلد أكثر من بلدي ومن ذلك الوقت لم أزر بلدي إلى اليوم فأصبح كل أهلي وأبنائي وتلاميذي هنا في الجزائر . عشتم أكثر من 42 سنة في الجزائر فما شعوركم وإحساسكم وسبب استقرارك في الجزائر ؟ شعوري من زمان ومن قبل أن أتجنس كنت أحب الجزائر حبا جما لقد كانت لي ميزة خاصة من بين كل المنتدبين إلى الجزائر من مصريين وسوريين أني أحببت الجزائريين والجزائر من قبل أن أتجنس بجنسيتها وهذا بشهادة الجزائريين وزملائي العرب لأن ثروتي العظيمة كانت حب الناس ورب فتح القلوب . نرجع إلى تخصصكم في أصول الفقه، ما مكانة هذا العلم في الدين ؟ وهل علم أصول الفقه يعالج الواقع ؟ وهل يكفي وحده أم لابد من فقه الواقع ؟ نحن أول من أقترح تدريس الدعاة والأئمة أصول الفقه ليس الدراسة من الفهارس بل تركز الدراسة من أهداف الشرع المتجدد من مقاصد الشريعة ودراسة كلية ونحن نؤمن أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان والإسلام هو الحل لكل مشكلات الحياة ولكننا أفسدنا المنهج أين الحوار؟ ! { من أفسد المنهج الحكام أم العلماء ؟ } الذي أفسد المنهج هم الأئمة والعلماء في الفتن أعطانا الشرع قاعدة ثمينة : « إذا تعارضت مصلحتان تقدم أخف الضررين « نحن عندما يأتي الشاب إلى الشيخ يسأله فعلى الشيخ التأني والتدقيق في السؤال والإجابة فالشرع لا يقول أقتلوا فلان ! جاء القرآن ليحيينا ؛ وإذا اقتتلت طائفتان ليصلح بينهما هكذا يجب أن نفهم . ثورات الشباب في العالم العربي هل هي ثورات انطلقت من الدين ؟ أم ثورات بعيدة عن الدين ؟ لا نستطيع أن نثبت أو ننفي هذا ؛ وحتى لا نجرم أحدا نقول : أن الخير والشر يعيشان معا متصارعان إلى يوم الدين. هل تدخلت برأيكم أياد أجنبية فيما يجري في عالمنا العربي من ثورات و انتفاضات ؟ وكيف ترون المخارج لما حدث؟ ** نعم نعم من أحضر الأجنبي من أوربا للدفاع عن الليبي ؟ { الجامعة العربية هي التي أحضرتهم } الجامعة العربية جامعة بالإسم فقط وهي سبب بلاوي العرب . والأجنبي لا يرضى لنا الخير أبدا . كلمة ختامية وتكريمكم ونصيحتكم للشباب ؟ أولا حول تكريمي أسعد ما أسعدني أنه جاء مفاجئة لي فجزى الله من أسعدني وكنت أنتظر التكريم في ختام الملتقى فإذا بمفاجأة أخرى أن كرموني في افتتاح الملتقى بارك الله في هذا البلد وفي أهل هذا البلد ويحمي هذا البلد و نقول للأئمة : الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : « أئمتكم شفعائكم» فعلى الأئمة أن يتقوا الله ويكونوا عونا لشعوبهم وحكامهم أن يبصرونهم بحقيقة هذا الدين . شفاعتكم أي أن تنوروا الطريق للجميع ؛ نحن واجبنا اليوم أن نبين للجميع أن كل العبادات الهدف منها الحب والحوار والأخوة ونصيحتي لكل الناس حكاما ومحكومين شيبا وشبابا الحوار والأخوة وخاصة الأئمة عليهم بالدعوة للحوار والأخوة وتهدئة الشباب والأخذ بأيديهم إلى التعقل وعدم الإنسياق وراء كل ناعق . والعقلاء كانوا يقولون إذا وجدت حاكما ظالما فلا تكلمه واهجره يجد نفسه وحيدا فيرجع عن ظلمه لشعبه . ونصيحتي الأولى والأخيرة وللجميع الحوار والأخوة والدعوة للهدوء ؛ ونسأل الله أن يحفظ هذا البلد الطيب وأهله وجميع بلاد المسلمين . سيرة العلامة احمد إدريس عبده هو الشيخ احمد إدريس عبده من مواليد شرق إفريقيا «أثيوبيا» في إقليم «ولُو» مدينة «ديسي» سنة 1940 من أسرة محافظة في قرية «قدو» مات أبوه وهو طفل صغير فاعتني به عمه هذا الأخير الذي كان عالما ومحدثا كبيرا . لقي الشيخ إدريس عناية كبيرة من عمه حيث حفظ على يده القرآن وهو ابن 12 سنة وبالموازاة حفظ جوهرة التوحيد ، والسنوسية في العقيدة ، و الجزرية والشاطبية في القراءات . وفي الفقه «الشافعي» أبو شجاع ، والعمدة لابن النقيب ، وقرأ بالتفصيل منهاج النووي . وفي اللغة العربية حفظ الاجرومية وقطر الندى و شذور الذهب وحفظ ألفية بن مالك شرح بن عقيل ثم شرح بن هشام وحفظ لامية الأفعال لابن مالك ، وكثير من المتون في علم الفقه والأصول والحديث . إنتقل إلى مصر سنة 1958 م و تحصل على شهادة البكالوريا سنة 1959 م . ثم رافق مجموعة طلبة من السودان ودرس معهم شرح الدردير على خليل .( حيث كان شافعيا فأصبح مالكيا ) . وفي سنة 1963 تحصل على درجة الإجازة العالية من كلية الشريعة والقانون بالأزهر وكرم من قبل الرئيس جمال عبد الناصر . وفي سنة 1965 حصل على دبلوم أصول الفقه من الأزهر وشهادة في الأدب من معهد الدراسات في الجامعة العربية . وفي سنة 1967/1968 درس ماجستير درجة التخصص في الفقه المقارن . أساتذته : في الفقه المقارن الدكتور ابراهيم عبد الحميد في أصول الفقه مصطفي عبد الخالق والشيخ عثمان مريزق والشيخ محمد ابو النور زهير وفي قواعد الفقه الشيخ أبو زهرة وفي مقاصد الشريعة الشيخ مصطفي مجاهد......... الخ جاء الشيخ إلي الجزائر في 17 اكتوبر 1969 حيث تعاقد مع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ودرس بمعهد التعليم الأصلي أحمد باي بقسنطينة ، واستمر في التعليم به 18سنة كما درس بالجامعة الإسلامية منذ سنة 1989 كاستاذ مشارك إلي يومنا هذا. كما درس بالمعهد الإسلامي لتكوين الإطارات الدينية بالتلاغمة ولاية ميلة أكثر من عقدين من الزمن وتخرج على يده الآلاف من الأئمة والأساتذة . وصدرت له عديد الكتب والمؤلفات في مختلف العلوم الشرعية واللغوية والتي تتميز بالدقة والإحكام منها : من مؤلفاته المنشورة : ( فقه المعاملات المالية ,فقه العبادات الصلاة وكتاب فقه الزكاة , كتاب شرح الورقات للجويني , وكذا له مؤلفات في برامج التعليم الأصلي في الفقه والسيرة وأصول الفقه والحديث وأصول التفسير والتفسير.....الخ). المؤلفات غير المنشورة : كتاب ضخم في مقاصد الشريعة وكتاب فقه القضاء والشهادة من خلال كتاب ابن الجزيء وهو المشروع الذي سجل به الشيخ في الدكتوراه. وللشيخ عدة مقالات في مجلة العقيدة التابعة لجريدة النصر وهو ينوي جعلها في كتاب كما شارك الشيخ في العديد من الندوات والملتقيات الوطنية .