صالح جبايلي..اللاعب المتألق وصديق البيئة الذي لم يمهله القتلة يعتقد الجزء الأكبر من سكان مدينة خنشلة وسكان الولاية عموما، بأن الشخص الذي يحمل اسمه المتقن الواقع على الطريق المؤدي إلى الثكنة العسكرية، هو لأحد شهداء ثورة التحرير، لارتباط أغلب المؤسسات التعليمية في الجزائر من الابتدائي إلى الجامعي بأسماء شهداء ومجاهدين. ويجهلون أن الأمر يتعلق بإيكولوجي ولاعب كرة قدم هو البروفيسور صالح جبايلي، عميد جامعة باب الزوار للعلوم والتكنولوجيا سابقا. طفل أنسيغة الذي صار ايكولوجيا في فرنسا ولد صالح جبايلي في: 17 أفريل 1935، بقرية "واد بوغقال"، بلدية انسيغة، غير بعيد عن مدينة خنشلة. درس الابتدائي بخنشلة، المتوسط والثانوي بباتنة، ثم هاجر إلى فرنسا بغرض إكمال الدراسة، حيث نال شهادة البكالوريا بمدينة نيم، وأتم دراسته الجامعية بمونبولييه، أين تحصل على شهادة ليسانس في العلوم، سنة 1961. وفي السنة الموالية نال شهادة الدراسات المعمقة في الإيكولوجيا (علم البيئة). وفي سنة 1966، تحصل على دكتوراه الدرجة الثالثة في الإيكولوجيا النباتية. وفي العام 1968، نال شهادة دكتوراه الدولة، ليعود بعدها إلى الجزائر. الهداف الذي لم يتلق سوى بطاقة صفراء في حياته بدأ، صالح جبايلي، ممارسة كرة القدم في فريق اتحاد مدينة خنشلة، وعقب انتقاله إلى فرنسا، في منتصف خمسينيات القرن الماضي، انضم إلى فريق "نيم" الفرنسي، من سنة 1958، إلى غاية سنة 1966، وقد لعب في هذا الفريق 183 مباراة، وتميز بقذفاته القوية وتنظيمه لزملائه فوق الملعب كحامل لشارة قائد الفريق، ولم يتلق إلا بطاقة صفراء واحدة طيلة مشواره معه، وقد كان من أبرز هدافي البطولة الفرنسية، سنة 1963. يعد المرحوم من أبرز نجوم فريق "نيم" عبر تاريخ النادي، والدليل على ذلك إطلاق اسمه على أحد الأحياء الجنوبية لمدينة نيم، سنة 2011. وبعد إتمامه لدراسته الجامعية وعودته لوطنه، لعب صالح مع فريق مولودية الجزائر، كما تقمص ألوان الفريق الوطني خلال ستينيات القرن الماضي، ضد كل من تشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفياتي، ودرّب عدة فرق رياضية كوداد الرويبة واتحاد الحراش، إلى جانب شغله لمنصب المدير التقني للفريق الوطني الجزائري إلى غاية تأهله إلى مونديال إسبانيا، سنة 1982. وحسب شقيقه رابح، فإن ممارسة صالح للرياضة كانت بموافقة الأب ولكن بشرط النجاح في الدراسة. صالح جبايلي لا يختلف حوله اليمين واليسار في فرنسا، لسموّ أخلاقه وشخصيته المتميزة؛ حيث قدّم صورة جد ايجابية عن الإنسان الجزائري، ورفض حمل جنسية أخرى غير الجنسية الجزائرية. من ستوكهولم دعا ملوثي البيئة إلى تحمل التكاليف عمل المرحوم بجامعة الجزائر، كأستاذ مساعد (1966 1969)، ثم أستاذ مكلف بالدروس (1970 1978)، ثم أصبح أستاذا محاضرا (1978 1979). كما شغل مهام إدارية عديدة، منها: مدير عام المركز الوطني للأبحاث العلمية (1980 1983)، مدير المعهد الوطني للعلوم الفلاحية بالحراش (1978 1980) ومن شهر فيفري إلى غاية شهر أكتوبر 1989، كاتب عام اللجنة الوطنية للبيئة، رئيس المجلس العلمي للهيئة الوطنية للبحث العلمي، رئيس مجلس جامعات المغرب العربي، ممثل الجزائر في المجلس الوزاري الإفريقي المكلّف بالبيئة (أديس أبيبا، سنة 1993)، ممثل الجزائر في اللجنة الحكومية للخبراء في العلوم والتكنولوجيا لتنمية شمال إفريقيا، عميد جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا (1989 1994). أشرف المرحوم على 50 رسالة، في شهادة الدراسات العليا (D.E.S)، و 20 رسالة ماجستير و3 أطروحات دكتوراه دولة. كما نشر العشرات من الدراسات في مختلف المجلات المتخصصة، إلى جانب مشاركاته بمحاضرات حول مجال اختصاصه في العديد من الملتقيات الوطنية والدولية، كما أدار مجلة (BIOCENOSES) العلمية. وقد دافع صالح جبايلي في الندوة العالمية لحماية البيئة باستكهولم على أن: "من يلوّث هو من يسدد تكاليف حماية البيئة"، كما ساهم ضمن الوفد الجزائري المشارك في هذه الندوة التي عقدت في الفترة من 5 إلى 20 جوان 1972، في جعل يوم 5 جوان يوما عالميا للبيئة، ولهذا الاختيار خلفية سياسية؛ حيث يصادف ذكرى العدوان الإسرائيلي على بعض الدول العربية، الذي وقع في: 5 جوان 1967. بعد مسار علمي وإداري ورياضي زاخر أغتيل صالح جبايلي يوم: 31 ماي 1994، من طرف الجماعات الإرهابية، بجامعة هواري بومدين ودفن بمقبرة سيدي يحيى بالعاصمة. احتضنت مدينة خنشلة لعدة سنوات "ملتقى صالح جبايلي حول البيئة"، وذلك بحضور مختصين في مجال البيئة من مختلف جامعات الوطن، وكأغلب التظاهرات الناجحة في الجزائر، اختفى هذا الملتقى ولم يعد ينظم لأسباب مجهولة !