تحوّل بعض شيوخ السلفية في الجزائر إلى «مرشدين» ذوي سطوة وحظوة في الحياة العامة، يتدخلون في كل الأمور من تسيير البنوك إلى لغة الحوار في السينما وانتهاء بمصير الخنافس. والمثير للانتباه أن هؤلاء الشيوخ باتوا يصنعون الحدث ويوجهون الرأي العام مستغلين حاجة "الصحافة" إلى الإثارة التي تجود بها النزعات التكفيرية، وفراغ الحياة الوطنية من النخب المؤثرة بل وتحولها إلى سوق لا يشعر الأحمق فيها بالغربة أو الحرج وهو يعرض بضاعته البائسة. فحين يدعو شيخ لا يعرف أسماء أبنائه إلى الثورة على فيلم سينمائي يعتبره "فعلا شيطانيا" ويجد التجاوب فإن الأمر يثير التفكير بل الخوف على أجيال جديدة من الجزائريين تتقلص أمامها قيم الجمال، أجيال لم تعرف السينما أصلا في بلد كان سوقا للسينما وتربى عشاقه في صالاتها، ولم تعد القراءة والموسيقى من اهتماماتها ولا تحصيل العلوم والمعارف، بفعل تأثير "القيم الجديدة" التي يفرضها الأثرياء الجدد الذين صعدوا في سنوات الحرب والسلم وتقدموا بخطوات واثقة إلى قمرة قيادة المجتمع. وبالطبع فإن الشيوخ يحبون المال والسلطة وما بينهما ، ولا يحرّمون الرشوة بل يكتفون بتغيير اسمها فتصير هدية والهدية حلال. لكنهم يحرّمون الكاشير لأن أحمره مستخلص من الخنافس، وهي كما يعلمنا فركوس، حشرات مستخبثة لا يجوز أكلها بعكس الجراد الذي هو حلال طيب. ولا بأس، ما دام الفراغ لا يطرد ضيوفه، أن يتولى الوصاية على التاريخ والدين كل من عنّ له ذلك، ويتحوّل التكفير والتخوين إلى سيف يشهره ويلعب به من لا يحسنون استعماله. ولا بأس من تطريز جبّة التخلّف بخيوط القداسة ردعا لكل متطلع إلى ما تحت الجبة. ولا حرج في أن ينحني الذكاء أمام الغباء القوي. وأن يختفي الخيال ليموت في ظلام نفسه اتقاء لأهوال التفسير وعواقبه. وأن يصوم الاجتهاد عن وساوسه لئلا يزعج الكسل المطمئن في قيلولته. و أن يخجل الحق من التنحنح عند باب الباطل. ملاحظة لا أحد في المشهد سواهم. وثمة عربة عمياء تأخذ، سريعة، المنحدر المخيف.