ساهمت الرحلات العلمية و الروحية التي قام بها علماء تلمسان في القرون الوسطى عبر مختلف أمصار المغرب و المشرق في إشعاع فكري و تنوير علمي و خدمة الدين حسبما أكد يوم الأربعاء المشاركون في الملتقى الدولي حول "الإسلام في المغرب و دور تلمسان في نشره" المنتظم في إطار "تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية 2011". وأكد الدكتور فيلالي عبد العزيز من جامعة قسنطينة في محاضرته بعنوان "رحلة أبي العباس بن مرزوق التلمساني و صداها في بلاد المشرق" أن علماء تلمسان "تميزوا بالترحال من أجل الاستزادة من العلم و لقاء كبار الشيوخ و العلماء و التدريس بمختلف مدارس و زوايا الحواضر العربية الكبيرة". وتطرق المحاضر في هذا الصدد إلى شخصية ابن مرزوق الذي قال عنه أنه "كان خير مثال للعالم الورع الزاهد المتعبد نال احترام العلماء و المتصوفة و القضاة و رجال الدولة في كل من القاهرة و مكةالمكرمة و المدينةالمنورة". وأما الدكتور عبد السميع محمد الأنيس من جامعة الشارقة (دولة الإماراتالمتحدة) فقد أكد في مداخلته أن "عددا كبيرا من علماء تلمسان رحلوا إلى المشرق و لقوا علماء و محدثين فأفادوا و استفادوا و أخذوا أمهات كتب الحديث و علومه وراحوا ينشرونها في بلادهم و عكفوا على دراستها دراسة معمقة شرحا لمعانيها بيانا لأحكامها و توضيحا لغربيها". وحسب المحاضر فإن صحيح البخاري وصل إلى تلمسان عن طريق أبي جعفر أحمد بن نصر الدوادي و تلقاه منه جلة العلماء و انتشر بين طلبة العلم و هي دلالة قاطعة أن العلماء "كانوا يهيمون على وجهم من أجل الحصول على العلم أو نشره". كما أعطى الدكتور بوعياد العربي من جامعة الرباط (المغرب) أمثلة حية عن بعض العلماء الرحالة الذين تفننوا في وصف المدن و عمارتها خلال مؤلفاتهم التي أنتجوها في رحلاتهم "فأفادوا المهندسين و البنائين في خلق نمط جديد من التعمير في بعض المدن المغاربية مثل فاس و تلمسان و مراكش" مؤكدا أن هذه الأعمال ساهمت في خلق ثلاثة نماذج من التمدن و هي الأصيل و الدخيل و الهجين الذي يجمع بين النموذجين الأولين. ومن جهته تطرق الدكتور محمد بوركبة من جامعة وهران في محاضرته حول "مساهمة علماء تلمسان في نشر العلم في عهد الدولة الزيانية" إلى دور جوهرة المغرب في تكريم العلماء و رفع مكانتهم. وأكد في هذا الصدد بأن ملوك تلمسان "أنشأوا مؤسسات علمية و تعليمية ودعوا العلماء و الفقهاء و الأدباء للتدريس فيها و نشر العلم و المعرفة حتى أصبحت قطبا علميا و مفخرة للعالم الإسلامي آنذاك". وأضاف المحاضر أن هذا الإهتمام ساعد في إنجاب "عدد كبير من العلماء الفقهاء و الأدباء و المؤرخين و المحدثين و سمح لتلمسان أن تشهد حركة تنوير و فكر واسعة تضاهي ما شهدته مختلف عواصم المشرق الإسلامي". و قدم الدكتور عبيد بوداود من جامعة معسكر محاضرة بعنوان "قراءة في علاقة تلمسان الزيانية بالدولتين الحفصية و المرينية" ركز خلالها على الحملات العسكرية التي استهدفت دولة بني عبد الوادي من طرف الحفصيين و المرينيين معرجا على الحصار الذي دام أكثر من 8 سنوات و عواقبه الوخيمة على السكان و العلماء. وخصصت الجلسة المسائية و الختامية لهذا الملتقى من ثلاثة أيام الذي نظمته جامعة تلمسان بالتنسيق مع المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان و التاريخ لمناقشة عامة يثريها الأساتذة و الباحثون من مختلف جامعات الوطن و عدد من الدول العربية والأوروبية.