خرج سكان مدن سطيف و قالمة و خراطة في الثامن من مايو 1945 للتظاهر للمطالبة بحقهم في الاستقلال حيث قوبلت هذه المسيرات بقمع كان الأكثر دموية في تاريخ فرنسا الاستعمارية في الجزائر. و لإحياء هذه الصفحة الحالكة من تاريخ الاستعمار نظمت بباريس ندوة متبوعة بنقاش تحت عنوان "الجزائر تاريخ و رجال" بمبادرة من جمعية "معا من أجل المستقبل من أجل إبراز إحدى أبشع المجازر في تاريخ فرنسا الاستعمارية. و في سياق الحديث عن الأحداث التي ميزت هذا اليوم الدموي أبرز كل من الجامعي عبد القادر بن عراب و المؤرخ يوسف جيرار و الباحث بوعلام برجب حجم المجازر التي اقترفتها فرنسا من أجل كبح عجلة الحركة الوطنية الجزائرية التي كانت قد مهدت لحرب التحرير. و قال الجامعي عبد القادر بن عراب صاحب كتاب "معركة سطيف" ان الجزائريين الذين شارك منهم حوالي 60000 ضد ألمانيا النازية و سقط منهم 12000 في معارك الحرب العالمية الثانية دفاعا على فرنسا كانوا يظنون بأن نهاية هذا الحرب العالمية يعني كذلك استرجاع حقوقهم و استقلال الجزائر. و أضاف أن الجزائريين استغلوا فرصة احتفال فرنسا و العالم بأسره بنهاية الحرب ليخرجوا للشوارع للتعبير عن رفضهم للاستعمار حيث رفع أحد المتظاهرين قبل أن يتلقى رصاصة من أحد مفتشي الشرطة الاستعمارية التي جندت بقوة لقمع الجزائريين. و أوضح أن هذه المظاهرات أخذت منعرجا دمويا و خلفت مأساة كان صنيعها الجيش الفرنسي مدعما بقوات اللفيف الاجنبي و ميليشيات المعمرين الذين كانوا يطلقون النار عشوائيا على المتظاهرين. حصيلة ثقيلة لقمع امتد لأسابيع كانت الحصيلة ثقيلة لهذا القمع الذي امتد لأسابيع في منطقة الشمال القسنطيني حيث سقط 45000 قتيلا و هي مجازر وصفت عليها السلطات الاستعمارية ب"الأحداث" للتقليل من شأنها. و أضاف نفس المتحدث أن "عدد ضحايا هذا اليوم المشين في تاريخ فرنسا الاستعمارية يبقى إلى يومنا هذا محل نقاش بين المؤرخين". جاءت القوات البحرية الفرنسية أنذاك للمشاركة في القمع حيث قامت بقصف مرتفعات خراطة و فجها مما دفع بالمتظاهرين إلى الاحتماء بالجبال ليقصفوا من قبل الطيران الحربي الاستعماري و تواصل القمع دون هوادة. و استطرد نفس المتحدث أن "القتلى كانوا يدفنون جماعيا كما اختفى العديد منهم في إحدى الأفران بمدينة هيليبوليس بالقرب من قالمة حيث اظهرت العديد من الشهادات أنه تم الكشف على العديد من الرفات فيما بعد". كما ذكر بكتاب مناضل القضية الوطنية بن علي بوقرط الذي أبرز في كتابه "نفس الظهرة-مقاومة الشعب الجزائري من 1924 إلى 1962". من جهته قال المؤرخ يوسف جيرار مستندا إلى شهادات هذا المناضل أن الذين نجوا من هذه المجازر زج بهم في السجون التي أجت تعج بالمحبوسين لتلجأ الإدارة الاستعمارية إلى إنشاء المحتشدات. و كانت المحاكم العسكرية الوحيدة التي تفصل في القضايا المتعلقة ب"أحداث" 8 مايو 1945 و السجناء السياسين الذي اعتقلوا قبل هذا اليوم. سجناء كانوا يموتون في الزنزانات و أضاف المؤرخ أن هؤلاء السجناء كانوا يموتون شيئا فشيئا داخل الزنزانات التي كانت دون أفراشة و لا إنارة منتظرين محاكمتهم لسنوات" كما كان المحامون يعينون من قبل السلطات الاستعمارية و لم يكن من حق السجناء اختيار دفاعهم بأنفسهم. و ذكر نفس المتحدث أن نقابة محاميي الجزائر العاصمة آنذاك تلقت تعليمة تحثهم على عدم عدم الدفاع عن السجناء ليتم بذلك إصدار العديد من الأحكام بالإعدام و بالأشغال الشاقة. بدوره أكد الباحث بوعلام برجب أنه تلقى صعوبات كبيرة لدى أقسام الشرطة للتحصل على أرشيف هذا القمع الدموي. و قال في هذا الصدد "يجب أن نخدم مصلحة أولادنا حتى يعرفوا حقيقة ما حدث فعلا و الكشف عن حقبات كاملة من تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية التي تعرضت للقمع الاستعماري". و في تدخله في النقاش أكد نائب رئيس بلدية فيتري سور سان (الحزب الشيوعي) أن هذا النوع من النقاشات "يجب أن يكثف" مؤكدة على ضرورة البحث عن الحقيقة "بالرغم من مرور خمسين او ستين سنة".