لازالت القوات الفرنسية المتواجدة في مالي, والمنضوية تحت لواء ما يعرف بعملية "برخان", تثير جدلا واسعا وسخطا وسط سكان مالي, على خلفية تسجيل ضحايا مدنيين خلال عملياتها العسكرية,التي تأتي ردا على هجمات الجماعات الإرهابية. ولعل آخر هذه الحوادث, كان الغارة الجوية التي نفذتها القوات الفرنسية يوم الأحد الماضي, على قرية "باونتي" بمدينة "دوينتزا", متسببة في مقتل ما لا يقل عن 20 مدنيا, خلال حفل زفاف, حسب مصادر مالية. وفي هذا الصدد, أكدت جمعية "تابتال بولاكو الفولاني" المالية, أن الغارة التي استهدفت حفل زفاف, تسببت في مقتل 20 مدنيا وإصابة ثلاثة آخرين بجروح خطيرة, فيما لا يزال سبعة آخرون في عداد المفقودين. غير أن الجيش الفرنسي الذي أعلن عن تنفيذ هذه الغارة, قد أكد استهدافه وتحييده لمسلحين, تم رصدهم بعد عملية استخباراتية استمرت عدة أيام, مؤكدا أن "المعلومات المتعلقة بالزفاف لا تتطابق مع الملاحظات المقدمة". وجاءت هذه الغارة, غداة مقتل جنديين فرنسيين وإصابة ثالث السبت الماضي, خلال هجوم مسلح في منطقة "ميناكا" الواقعة في شمال شرق مالي, بعد أقل من أسبوع عن هجوم مسلح آخر, أودى بحياة ثلاثة جنود فرنسيين. ومع كل هجوم إرهابي جديد وما تتكبده القوات الفرنسية من خسائر بشرية, تجد السلطات الفرنسية نفسها في حالة حرجه, فهي غير قادرة على سحب قواتها المتواجدة في منطقة الساحل, كون ذلك "سيعد اندحارا لها", وفقا للخبراء. وعلى إثر الهجمات الإرهابية الأخيرة, وكاعتراف ضمني بإخفاق قواتها في مالي, أعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي, أن بلادها "سوف تضطر, على الأرجح, إلى تعديل انتشار قواتها, إذ أن التعزيزات التي أرسلت العام الماضي, وقوامها 600 رجل, بحكم تعريفها, كانت إجراء مؤقتا". اقرأ أيضا : البوليساريو تعتبر استثناء الإتحاد الأوروبي للصحراء الغربية من مشاريع نقل مع المغرب تطورا إيجابيا وتنشر باريس حاليا في إطار عملية "برخان" التي انطلقت صيف عام 2014, استكمالا لعملية "سرفال", قرابة ال 5100 عسكري, معززين بقوة جوية ودعم لوجيستي. ووفقا للمتتبعين, فإن هذه التصريحات تأتي تمهيدا للقرار الذي يفترض أن يتخذه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون, بهذا الخصوص, خلال القمة الفرنسية - الإفريقية التي ستضم مبدئيا , الرئيس الفرنسي وقادة دول الساحل الخمس (موريتانيا, مالي, بوركينا فاسو, النيجروتشاد) في نجامينا (تشاد) نهاية يناير الجاري أو مطلع فبراير المقبل. وتدرس باريس - الراغبة في تخفيف أعبائها العسكرية والمادية - منذ أسابيع, عدة سيناريوهات بخصوص قواتها في مالي, أكثرها ترجيحا, هو البدء بتقليص عدد عناصر عملية "برخان", وهو ما أشار إليه الرئيس ماكرون شهر نوفمبر الماضي, وكذا رئيس الأركان الفرنسي, الجنرال فرانسوا لوكوانتر خلال جولته التفقدية لقواته الشهر الماضي. وتواجه القوات الأجنبية, لا سيما الفرنسية, رفضا متزايدا بين سكان دول الساحل, الذين يتهمونها باستهداف المدنيين العزل, و" تقديم هجماتها على أنها عمليات لمكافحة الإرهاب". وكانت مديرة قسم غرب إفريقيا في "هيومن رايتس ووتش", كورين دوفكا, قد قالت في تصريحات سابقة بهذا الخصوص لصحيفة "تيليغراف", أن "مزاعم الانتهاكات التي تقترفها جيوش الساحل, تتزايد بشكل خطير. فغالبا ما تتبع الهجمات الإرهابية الفتاكة, وبشكل متزايد, بهجمات انتقامية", مشيرة إلى أن "الجنود - لحزنهم على زملائهم - ينتقمون لمقتلهم بقتل مدنيين عزل أو مشتبه بهم ". وأوضحت المسؤولة, أن "ندرة التحقيقات في الحوادث المتصاعدة وغياب المساعي العامة القوية من قبل الشركاء الدوليين, اعتبرت بمثابة ضوء أخضر من قبل الجيوش المعنية, التي يبدو أن قادتها لا يخشون التعرض للمساءلة". وتواجه فرنسا تحديدا, استياء شعبيا كبيرا في مالي, حيث يطالب الأهالي برحيل القوات الفرنسية المنضوية تحت قوة "برخان", معتبرين وجودها "غير فعال" و"غير مجدي" في ظل عجزها عن منع تكرار الهجمات الإرهابية في المنطقة, ويؤكدون أن وجود قواتها على أراضيهم "زاد الوضع تعقيدا و تأزما و مدد من الأنشطة الإرهابية". ويؤكد أعضاء حركة "فرنسا ارحلي" المالية التي يترأسها آداما بن ديارا- المناهضة للتواجد الفرنسي في مالي وتدخلاتها السافرة في شؤونه السياسية - أن " فرنسا, على مدى سنوات, لم تتوقف عن غزو واحتلال أراضي مالي, منتهكة المبادئ الأساسية التي تحدد العلاقات بين الدول", وتطالب الحركة ب"مغادرة القوات الفرنسية للبلاد" و بالمقابل, تدرك فرنسا - الدولة الغربية الوحيدة التي لها وجود عسكري كبير في الساحل - مدى توتر علاقتها بمستعمراتها الإفريقية السابقة لاسيما في الفترة الأخيرة, والمشاعر المعادية لوجود قواتها هناك.