منعت السلطات المالية تنظيم مظاهرة كانت مقررة أمس الاربعاء ، في قلب العاصمة باماكو للمطالبة بإنهاء التواجد العسكري الفرنسي في البلاد ، متحدثةً عن قيود لمكافحة وباء كورونا المستجد (كوفيد-19)، في وقت تتعالى فيه المطالب بفتح تحقيقات في "الانحرافات" التي ترتكبها تلك القوات ويروح ضحيتها مدنيون ماليون. و ذكرت وسائل الاعلام المحلية أن قوات الأمن المالية فرقت أمس مئات الأشخاص الذين كانوا يتظاهرون احتجاجاً على تواجد القوات الفرنسية في مالي بذريعة "محاربة الارهاب و التطرف" والتي "زاد تواجدها من تأزم الوضع" في البلاد، بسبب "انحرافاتها"، وفق ما يرى المعارضون لهذا التواجد. و قالت التقارير الاعلامية أن المتظاهرين الذين نزلوا سيراً على الأقدام أو على دراجات نارية تراجعوا بعد رشقهم بالغاز المسيل للدموع من قبل الشرطة والدرك الذين انتشروا بأعداد كبيرة في ساحة الاستقلال، المكان التقليدي للتظاهر في باماكو. و صرح مدير ديوان حاكم باماكو دانيال دومبيلي "ان التظاهرة غير مرخص لها بسبب اجراءات تتعلق بمحاربة فيروس (كوفيد-19)". إقرأ أيضا: أداما بن ديارا أحد الشخصيات البارزة المعارضة للتواجد الأجنبي بمالي و فور رفض السلطات الترخيص للتظاهرة اجتمعت تنسيقية منظمات المجتمع المدني و أحزاب سياسية و نشطاء كانوا دعوا الى التجمع، "لتحديد الاستراتيجية المقبلة"، وفق الاعلام المحلي. و حسب نفس المصادر فان "أعضاء بالمجلس الوطني الانتقالي" في مالي الذي تأسس بعدما أجبر تغيير "غير دستوري" للحكم في البلاد في 18 أغسطس الماضي الرئيس المنتخب ابو بكر كيتا على الاستقالة - "يعدون من بين منظمي التجمع" الذي تم وقفه من قبل السلطات. و تعد حركة "ييروولو واقف على الأسوار" التي يترأسها أداما بن ديارا، وهو عضو في المجلس الوطني الانتقالي وأحد أبرز الشخصيات الشبانية في البلاد من بين الحركات الرافضة لتواجد قوات أجنبية على تراب جمهورية مالي. و تحدث أداما بن ديارا أحد الداعيين الى التجمع و الذي يتميز بقدرته على حشد الجماهير، في تصريح لوكالة الانباء الفرنسية عن سقوط جرحى وتوقيف ثلاثة أشخاص خلال تجمعهم استعدادا للتظاهر. استنكار للانحرافات المتكررة للقوات الفرنسية و دعوات لفتح تحقيق فيها و يزداد رفض الماليين سواء من المجتمع المدني أو من الطبقة السياسية، لتواجد القوات الفرنسية على أراضيهم سيما في ظل الانحرافات و الانتهاكات المتكررة لهذه القوات و التي كثيرا ما يذهب ضحيتها السكان المدنيين. ولعل أحدث هذه الانحرافات الغارة الجوية التي نفذتها القوات الفرنسية في الثالث من يناير الجاري، على قرية "باونتي" بمدينة "دوينتزا" متسببة في مقتل ما لا يقل عن 20 مدنيا خلال حفل زفاف، حسب مصادر رسمية مالية. و جاء القصف بعد 48 ساعة على مقتل خمسة جنود فرنسيين، الامر الذي اعتبرته عدة جهات في مالي و خارجها بأنه "عملية انتقامية" من باريس على مقتل عساكرها في مالي. إقرأ أيضا: مالي/مجلس الأمن: تأكيد على ضرورة المضي قدما في تنفيذ اتفاق الجزائر فقد أثار القصف الفرنسي لحفل زفاف انتقادات داخل و خارج مالي حيث استنكرت مديرة قسم غرب إفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش" كورين دوفكا في تصريحات لصحيفة "تيليغراف" البريطانية ما وصفته ب" العمليات الانتقامية" للقوات الفرنسية، مشيرة الى أنه "غالبا ما تتبع الهجمات الإرهابية الفتاكة وبشكل متزايد بهجمات انتقامية". و قالت كورين دوفكا في السياق أن "الجنود - لحزنهم على زملائهم- ينتقمون لمقتلهم بقتل مدنيين عزل أو مشتبه بهم". مشيرة الى أن "ندرة التحقيقات في الحوادث المتصاعدة وغياب المساعي العامة القوية من قبل الشركاء الدوليين اعتبرت بمثابة ضوء أخضر من قبل الجيوش المعنية التي يبدو أن قادتها لا يخشون التعرض للمساءلة"، كما اضافت. من جهتها طالبت كل من الفدرالية الدولية لحقوق الانسان و المنظمة المالية لحقوق الانسان بفتح تحقيق في "انحرافات و انتهاكات" القوات الفرنسية في مالي. بدورهم و دعما للحراك المطالب بانسحاب نهائي للقوات الفرنسية من مالي قدم ناشطون من حركة "السترات الصفر" و هي حركة احتجاجية شعبية فرنسية، الى باماكو للمشاركة في التجمع الحاشد الذي كان مرتقبا أمس. و عبر الناشط في حركة "السترات الصفراء" يانيك كاروف ، الذي تنقل لباماكو للتعبير عن تضامنه مع الحراك ضد التواجد الفرنسي "جئت لأقول أن هناك فرنسيين سئموا من القادة الذين يمارسون الامبريالية التي لا تخدم العامل البسيط ولا الموظف الفرنسي و لكن هي في صالح جماعة صغيرة من الناس الاوليغارشيين الذين يمولون الانتخابات". و أضاف المتحدث أن القوات الفرنسية المنتشرة في مالي منذ عام 2013 بذريعة "محاربة الارهاب"، "لم تكن فاعلة" و أن تواجدها "غير مجدي في ظل عجزها عن منع تكرار الهجمات الإرهابية في المنطقة، كما أنها لم تساهم في تكوين العسكريين الماليين" مثلما ادعت باريس، و لهذا فانه "يتعين عليها مغادرة البلاد في أسرع وقت" كما قال. من جهته حيا ناشط أخر من أصحاب "السترات الصفراء" سيباستيان بريموني خلال الندوة الصحفية "شجاعة و نضال القوات المسلحة المالية التي تعمل في ظروف صعبة"، داعيا الى خروج القوات الفرنسية من مالي المتهمة بالتسبب في سقوط ضحايا مدنيين في هذا البلد الافريقي على خلفية الغارات التي تنفذها تلك القوات والمنضوية تحت لواء ما يعرف بعملية "برخان". الى ذلك كشف استطلاع للرأي، نشر مؤخرا، في مجلة "لوبوان" الفرنسية، ان " نصف الفرنسيين يعارضون التدخل الفرنسي في مالي" ، بينما ذكرت صحيفة "ريفوليسون بيرمانونت" الفرنسية في مقال نشرته الاثنين الماضي على موقعها الالكتروني أن "الرهان الرئيسي لتواجد فرنسا في منطقة الساحل الإفريقي يتمثل في تأمين وصولها إلى الموارد الطبيعية المختلفة التي تزخر بها المنطقة ولأطول مدة ممكنة". إقرأ أيضا: مالي: غوتيريش يثمن جهود الحكومة الانتقالية لتنفيذ اتفاق السلام و أقر كاتب المقال بفشل القوات الفرنسية في مالي في تحقيق الاستقرار الذي وعدت به في مالي عن طريق محاربة الارهاب ،مثلما ادعت باريس ، مؤكدا أنه "بعد قرابة العام على قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إرسال 600 عسكري إضافي إلى مالي لدعم قوة "برخان" المتواجدة في منطقة الساحل، فإن الاستنتاج واضح ولا لبس فيه: الوضع يتعثر ويتجه نحو مزيد من عدم الاستقرار". وأكد كاتب المقال أنه " في مالي، كما هو الحال في جميع أنحاء غرب إفريقيا والساحل ، فإن التواجد الإمبريالي الفرنسي هناك، تحت غطاء مكافحة الإرهاب، يزيد من حدة معاناة السكان". وينتشر حاليا قرابة 5100 عسكري فرنسي في مالي في إطار عملية "برخان" معززين بقوة جوية ودعم لوجيستي، الا أن ذلك لم يمنع من تعرضها لهجمات بشكل متكرر و كثيرا ما تفقد عناصرها في تلك الهجمات.