يزداد الوضع البيئي تأزما في بعض المدن المغربية, خاصة القنيطرة التي وصلت حد "الاختناق والموت البطيء", نتيجة تدهور جودة الهواء بسبب الغبار الأسود السام, في ظل عدم مبالاة السلطات المخزنية, رغم ما يعانيه السكان من أمراض تنفسية, حسب ما أكدته جمعية "أكسجين للبيئة والصحة". وتتواصل معاناة سكان القنيطرة (غرب الرباط) منذ سنوات طوال, جراء الغبار الأسود السام في سماء المدينة, والمنبعث من المصانع لعدم التزامها بالمعايير البيئية, حسب ما أكده نشطاء البيئة والمجتمع المدني في المغرب, ليزيد الطين بلة بسبب الاقبال الكبير لأصحاب رؤوس الأموال على المدينة التي أضحت وجهة مفضلة لديهم. ولم تجد معاناة سكان مدينة القنيطرة, المهددين بأمراض الجهاز التنفسي والسرطان, آذانا صاغية من قبل السلطات, رغم رفعهم مرات عدة شعار "إننا نختنق ونموت ببطء من جراء الغبار الأسود, ولا أحد يهتم بما نقاسيه". وفي السياق, أكدت عضو مجلس البلدية عن تحالف "فيدرالية اليسار" المعارض بالقنيطرة, زينب الشراط, في تصريح لموقع "العربي الجديد", أن "سكان المدينة يحاصرهم التلوث وانبعاث الروائح الكريهة, وتناثر الغبار الناتج من محطة لإنتاج الكهرباء لا يتم استبدال أدوات الترشيح والتصفية فيها, ويتزايد السخط والاستياء بين السكان المتضررين من تلك الأوضاع البيئية". وفي وقت أكدت الشراط أن صحة سكان القنيطرة في خطر "يستلزم إيجاد حل حاسم", شددت على أن "التزامات المغرب الدولية والتشريعات والتوجهات الوطنية لا تسمح بالضرر الذي يلحق بقاطني المدينة". وانتقدت الشراط "عدم تجاوب الجهات الرسمية, وكذا بلدية المدينة, رغم الشكاوى المرفوعة, ومراسلة الحزب, نهاية العام الماضي, وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة, بشأن انتشار الغبار الأسود". من جانبه, ذكر رئيس جمعية "أكسجين للبيئة والصحة", أيوب كرير, في تصريح لنفس الموقع, أن "الدراسات بينت أن نسبة كبيرة من سكان المنطقة المتضررة من الغبار الأسود في القنيطرة يعانون من أمراض الجهاز التنفسي, إضافة إلى ارتفاع نسبة الاكتئاب في صفوفهم نتيجة تلوث الهواء". وحول سبل حل الإشكال البيئي الذي يعاني منه سكان القنيطرة, قال كرير إن الأمر "لا يتطلب سوى أن تتعامل السلطات مع الوحدات الصناعية الملوثة للبيئة بحزم, وإجبارها على استخدام الأنظمة التقنية التي تحد من الانبعاثات السامة, عبر تصفية ما تلفظه من عوادم. الوحدات الصناعية لا تستعين بآليات الوقاية من تلوث الهواء لأنها تبحث دائما عن خفض تكلفة الإنتاج, وبالتالي المزيد من الأرباح, ولكن إذا تم التعامل معهم بصرامة, فإنهم سيلتزمون باحترام البيئة وبالتالي حماية صحة المواطنين". من جهتها, سبق أن نبهت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة, في تقرير لها شهر أبريل الماضي, إلى أن "حجم تفشي الأمراض المزمنة والأوبئة الفتاكة الناتجة من تلوث البيئة وتلوث الهواء والمياه والنظام الغذائي بات مقلقا للغاية". ونقلت الشبكة, تأكيد تقرير لمنظمة السلام الأخضر (غرينبيس), أن "تلوث الهواء يسبب أكثر من 5000 حالة وفاة في المغرب سنويا, بمعدل 15 وفاة في اليوم, ما يكبد الدولة خسائر بشرية فادحة, فضلا عن العبء الكبير الذي يتحمله القطاع الصحي لعلاج المتضررين". كما أعاد التقرير سبب زيادة عدد الوفيات إلى استمرار اعتماد المغرب على الفحم الحجري في إنتاج الكهرباء, لافتا إلى أن الأمر "يضع صحة المواطنين في خطر كونه أحد أكثر مصادر الطاقة الأحفورية تلويثا للبيئة, ومن بين أكثر أسباب الإصابة بالأمراض المزمنة", مشيرا إلى أن سكان جهة الدار البيضاءسطات, والتي تمثل نحو 50 في المائة من النشاط الصناعي في المغرب, معرضون أكثر من غيرهم للإصابة بالأمراض التنفسية نتيجة تلوث الهواء, إذ تضم هذه المدينة نحو 20 في المائة من المصابين بأمراض الجهاز التنفسي. جدير بالتذكير أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي كانوا قد أطلقوا وسم "القنيطرة_تختنق", مؤخرا, احتجاجا على تلوث الهواء, وسعيا للفت انتباه المسؤولين إلى "الجريمة المرتكبة في حق البيئة", مع رفع مطالب بإيجاد حل جذري لانبعاثات المصانع في القنيطرة. يشار إلى أنه رغم كل ما يكابده سكان مدينة القنيطرة من معاناة, إضافة الى المخاطر الصحية ما بين مشاكل تنفسية وسرطان, والأوبئة الفتاكة التي تهدد حياتهم, الى جانب التقارير المرفوعة والتي تؤكد الخطر الذي "يخنق المدينة", الا أن وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة, ردت في بيان سابق أن "نتائج تقييم جودة الهواء لسنة 2021 في مدينة القنيطرة تشير إلى تصنيف مؤشر الجودة بجيد وجيد جدا, مع تسجيل بعض التجاوزات بالنسبة للجزيئات العالقة وثاني أكسيد الكبريت, لكن من دون أن تصل إلى درجة الخطورة", مديرة بذلك ظهرها لمعاناة السكان والأمراض التي يعانون منها بسبب عدم التزام أصحاب المال والأعمال بالمعايير البيئية.