تعيش المملكة المغربية أزمة مياه غير مسبوقة بلغ خلالها الجفاف مستويات صعبة في الوقت الذي عمدت فيه الحكومة إلى تقنين زراعات تستهلك كميات كبيرة من المياه - على غرار القنب الهندي والأفوكادو - غير آبهة بأزمة العطش التي يعيشها المواطن, وهو ما يهدد البلاد بانفجار اجتماعي واقتصادي. وأنذرت المعطيات المفزعة حول استهلاك المادة الحيوية في الدار البيضاء, بخطر داهم, خاصة وأن المخزون المائي وصل ل"مستوى أكثر من كارثي" نتيجة استنزاف المياه, حيث أبرزت كل المعطيات تراجع مستوى السدود والأحواض التي تزود العاصمة الاقتصادية بالماء إلى "مستويات مقلقة", خاصة في ظل تأخر المشاريع التي كان من المفروض تجسيدها منذ سنوات خلت. وتأخذ مأساة الأزمة المائية في المغرب, منحى تصاعديا, على خلفية تكريس شبح الإجهاد المائي وشح مياه الحنفية في المنازل, مع ضعف معالجة المياه العادمة, التي تضيع كميات كبيرة منها هباء, كما أن استعمالها بعد معالجتها لا يزال ضعيفا جدا, وفقا للتقارير المحلية. ورغم إمكانية استغلال المياه العادمة في سقي 7ر2 ملايين هكتار من الأراضي الفلاحية, على افتراض أن الهكتار الواحد يستهلك نحو 8 آلاف متر مكعب, بعد معالجتها, حسب ما أكده, سابقا, الأستاذ الباحث المغربي يوسف بروزين في ورقة بحثية أعدها, إلا أن الإجهاد المائي غير المسبوق يتواصل في ظل عدم استغلالها, رغم ارتفاعها بوتيرة سريعة. استثمارات الكيان الصهيوني وراء استنزاف كميات كبيرة من المياه وفي سياق العجز المائي في المغرب, عمقت سياسة المملكة الماضية قدما في زراعة فاكهة الأفوكادو مثلا, من الأزمة, خاصة وأنها تمتص سنويا حجم مياه يعادل حاجيات 3 ملايين مغربي, حيث كانت إحدى أكبر الشركات الزراعية الصهيونية, قد اعلنت السنة الماضية استثمار 80 مليون درهم مغربي (حوالي 9 ملايين دولار), في زراعة فاكهة الأفوكادو بالمغرب, على مساحة تقدر ب455 هكتارا, إذ تتوخى من وراء هذا المشروع إنتاج 10 آلاف طن منها سنويا. وجدير بالإشارة إلى أن زراعة الأفوكادو تستنزف المياه, التي يمكن أن تستفيد منها محاصيل أخرى, وقد عمدت كثير الدول على إيقاف زراعتها توخيا لآثارها السلبية على الأمن المائي, خاصة في ظل التغيرات المناخية الراهنة والشح غير المسبوق في الأمطار. وفي ذات السياق, أتى إقرار السلطات المغربية خطة ل"تطوير زراعة القنب الهندي وتجويد نوعه", في منطقة الريف, بشمال المملكة, ليعمق, بشكل لا يترك مكانا للشك, أزمة المياه القائمة, ناهيك عن جملة الآفات. وكان مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في تقريره السنوي برسم سنة 2022 أكد أن الزراعة المكثفة للقنب الهندي في منطقة الريف بالمغرب أدت إلى زيادة الضغط على النظام البيئي الهش فيها, كما تسببت في إزالة الغابات وفقدان التنوع البيولوجي, كما تم إدخال تقنيات الري الحديثة والأصناف عالية الإنتاجية, وهو ما أدى زيادة الضغط على موارد المياه في المنطقة والسير نحو استنزافها. وكان الباحث المغربي في العلوم السياسية عبد الصمد بنعباد, قد حذر من خطر زراعة القنب الهندي على الأمن المائي, متسائلا كيف لوزارة الزراعة المغربية التي سنت مجموعة قرارات تمنع زراعة البطيخ وأشجار الحوامض بسبب ندرة المياه, أن تسمح بتقنين القنب الهندي الذي تحتاج زراعته لوفرة مائية.