في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بمرور 75 عاما على اعتماد اتفاقيات جنيف الاربع في أغسطس 1949, والتي وضعت القواعد للحد من همجية النزاعات المسلحة, يواصل الكيان الصهيوني تنفيذ جرائم حرب وحشية في قطاع غزة للشهر ال 11 على التوالي, وسط عجز المجتمع الدولي على ردع هذا الكيان, الامر الذي يدفع الى التساؤل حول مدى فعالية ونجاعة هذه الاتفاقيات أمام ما يجري في هذا الجزء من الاراضي الفلسطينية. فمنذ أكتوبر 2023 , تشهد البشرية اقتراف الكيان الصهيوني في قطاع غزة لأبشع الانتهاكات للقانون الانساني الدولي منذ الحرب العالمية الثانية, في تحد سافر لقواعد اتفاقيات جنيف الاربع و بروتوكولاتها الاضافية لعام 1977, والتي تدعوا الى التمييز بين المدنيين و العسكريين في وقت النزاعات المسلحة, ما شكل "علامة فارقة قاتمة للعالم", وفق ما صرح به مفوض الاممالمتحدة السامي لحقوق الانسان, فولكر ترك. وطيلة 326 يوما, لم يترك الكيان الصهيوني وسيلة ولا أسلوبا ولا شكلا من أشكال الاجرام, الا و مارسها بحق المدنيين في غزة حيث تنوعت بين القصف العشوائي للمستشفيات والمرافق الصحية واستهداف موظفي هذا القطاع, في خرق لاتفاقيتي جنيف الاولى و الثانية (1864 و 1906) التي تحظر هذه الممارسات في وقت النزاعات المسلحة. كما يتعرض الاسرى الفلسطينيون للمعاملة غير الانسانية و اللاأخلاقية, في خرق لاتفاقية جنيف الثالثة (1929), الى جانب القتل العشوائي واليومي للمدنيين العزل, المحرم دوليا, وفق اتفاقية جنيف الرابعة الصادرة عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية (1949) وبروتوكولاها الاثنين الاضافيين عام 1977. وفي الوقت الذي يزعم فيه الكيان الصهيوني أنه "يستهدف فقط" المقاومة الفلسطينية, فان أزيد من 40 الف مدني فلسطيني استشهدوا وأصيب 90 ألف بجروح غالبيتهم من هم الاطفال و النساء, ما يظهر أن الاحتلال تعمد استهداف المدنيين العزل. ورغم كل النداءات الصادرة عن المؤسسات الدولية التي تدعوه الى احترام قواعد القانون الانساني الدولي المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف, وكذا الرفض الشعبي الواسع عبر عواصم العالم لجرائم الحرب و الجرائم ضد الانسانية التي يقترفها في غزة والدعوات لوقفها, يتمادى الكيان الصهيوني في ممارسة مزيد من الوحشية في غزة و يتعمد اطالة أمد العدوان, الامر الذي "دمر كل معاني الانسانية المشتركة", حسب ما صرحت به رئيسة الهلال الاحمر الدولي, ميريانا سبوليازيتش التي وصفت "مستوى المعاناة الانسانية في غزة" بأنه "غير مقبول" و ذلك خلال زيارتها للقطاع في ديسمبر 2023. ودفعت الانتهاكات الصهيونية الصارخة لاتفاقيات جنيف الاربع التي تلزم الدول 169 الموقعة عليها باحترامها وتطبيقها في كل مكان وزمان, بمجلس الامن الدولي- الهيئة المكلفة بحماية الامن والسلم في العالم - الى اصدار قرار في 10 يونيو الماضي يدعو الكيان الصهيوني الى وقف "فوري" لإطلاق النار والانسحاب من غزة, تلاه اصدار محكمة العدل الدولية في 19 يوليو الماضي, رأيا استشاريا أقرت فيه بعدم شرعية الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية المحتلة, وضرورة انهائه و تفكيك المستوطنات "غير الشرعية", علما أن المحكمة كانت أصدرت في 26 يناير 2024 قرارا يدعو الكيان الصهيوني الى وقف عدوانه على الفلسطينيين و السماح بإدخال المساعدات الانسانية ومحاسبة المسؤولين المتورطين في حرب الابادة في غزة. ومن جهتها, طالبت المحكمة الجنائية الدولية, وهي أيضا هيئة مكلفة بضمان احترام الحقوق الواردة في اتفاقيات جنيف في 20 مايو الماضي, بإصدار مذكرة توقيف بحق من يسمى "رئيس الوزراء" لدى الكيان الصهيوني, المدعو بنيامين نتنياهو, و "وزير" دفاعه, يواف غالنت "لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية" في غزة اعتبارا من 8 أكتوبر 2023. وأكد المدعي العام للجنائية الدولية, كريم أحمد خان, أن "هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن بنيامين نتنياهو ويواف غالنت يتحملان مسؤولية جنائية عن جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية" في غزة. وأمام مواصلة الكيان الصهيوني لتعنته و اصراره على المضي قدما في "أبشع حرب عرفتها البشرية عبر التاريخ", يتعين التساؤل حول مدى نجاعة و فعالية اتفاقيات جنيف في ظل ما يجري في قطاع غزة من مجازر وحشية بحق المدنيين, اذ يظهر ذلك عدم قدرة الآليات الدولية المسؤولة على تنفيذ قواعد الاتفاقيات الدولية على تطبيق قراراتها الخاصة لوقف جرائم الكيان الصهيوني وانصياعه للقانون الانساني الدولي ولقرارات الشرعية الدولية. ومؤخرا, أرسلت 30 شخصية حقوقية إلى المحكمة الجنائية الدولية مذكرة "عاجلة" تدعو فيها إلى "تسريع أوامر الاعتقال لإنهاء الإبادة الجماعية المستمرة في غزة" وتحذر من أن أي تأخير "يعزز الإفلات من العقاب ويشجع على ارتكاب جرائم جديدة", حسب ما كشفت عنه المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد). وبدورها, لم تتوقف الجزائر التي وضعت القضية الفلسطينية و تطورات الاحداث في غزة ضمن احدى أولوياتها منذ أن باشرت مطلع يناير الماضي ولايتها كعضو غير دائم في مجلس الأمن الأممي للفترة 2024-2025 , وعبر مندوبها الدائم لدى الأممالمتحدة السفير عمار بن جامع, عن اطلاق الدعوات من أجل "التنفيذ الفوري والكامل" لقرارات مجلس الأمن, بما في ذلك القرار 2735 المتعلق بوقف إطلاق النار في غزة, ووضع حد للمجازر الصهيونية ولانتهاكات الكيان المحتل لأبسط الحقوق الإنسانية التي تداس على مرأى ومسمع من الجميع.