عرفت الانتخابات السودانية مناسبة عودة الحديث عن هذا البلد الإفريقي الباحث عن هويته· المعلومات المتوفرة لدى عامة الجزائريين عن هذا البلد الإفريقي مرتبطة بالدرجة بما اصطلح على تسميته وإن جزافا بواقعة أم درمان وكأن الأمر يتعلق بمعركة ما· أما الأكثر معرفة قد يدركون معلومات أخرى من قبيل انتشار الطريقة التيجانية الصوفية جزائرية المنبع في السودان، على أن تبقى المعلومات الأكثر تداولا تلك المتعلقة بمنطقة الدارفور، معلومات وإن لم تكن دقيقة إلا أنها بفعل الترويج الإعلامي انتشرت لتجعل من السودان الحدث الإعلامي للعديد من التقارير الإخبارية· هذه الصورة المتداولة عن أكبر دولة إفريقية تختصر الكثير من الحقائق عن السودان الذي يعتبره الخبراء قوة نائمة بفضل ما يتوفر عليه من إمكانيات وثورات غير مستغلة· والواقع أن الانتخابات الأخيرة بالرغم من كل التعقيدات والتهديدات التي كادت تحول دون الاستمرار فيها، تبقى أهم حدث سياسي في تاريخ السودان الحديث، على اعتبار أن الخريطة السياسية الحالية نجحت في التقليل من حدة الصراع بين سودان الشمال، ببعده العربي الإسلامي وسودان الجنوب المسيحي الإفريقي· فقد اتفق الطرفان في المضي في المسار الانتخابي، على أن يمنح الجنوب استقلالية سياسية بزعامة عدو الأمس، الانفصالي سالفا كير، مع الإشارة إلى أن الاتفاق يقضي بضرورة الذهاب نحو استفتاء عام حول تحقيق مصير الجنوب وحصوله على الانفصال التام والكلي عن سودان الشمال، ما يعني خلق بلد جديد ينضاف لقائمة الدول الإفريقية، غير أن الإشكال الحقيقي يكمن في تمركز الثروات الطبيعية السودانية في منطقة الجنوب، بعبارة أخرى استحالة قبول سودان الشمال الاستغناء عن هذه الثروات، في الوقت الذي يأمل فيه انفصاليو الجنوب ويراهنون على هذه الثروات بما فيها الطاقوية والماء على إحداث النقلة المنتظرة لتحقيق ازدهار الجنوب· على الأقل هذا هو الخطاب المروج له في الجنوب، بالرغم من الخلافات الداخلية بين القادة الانفصاليين، نزاع عرف بدايته خلال الحرب الأهلية التي قادها جون قرنق المغتال في ظروف غامضة على إثر إطلاق النار على طائرته، مع العلم أنه كان متوجها لإجراء مباحثات وضع حد للخلاف الشمالي الجنوبي· تأتي هذه الأحداث على خلفية واقع معيشي متردي، حيث تشير إحصائيات المنظمات الدولية، إلى أن نسبة الأمية في ارتفاع، إذ تصل بين النساء لحوالي 92%، حسب ما أوردته تقارير الأمم المتحدة· في ذات السياق تشير ذات التقارير إلى التراجع الرهيب المسجل في حق الحريات الفردية، أكثر الأدلة تداولا على هذا التراجع، حادثة الصحفية التي صدر في حقها حكم بالجلد لمجرد ارتدائها سروال من نوع الجينز···! أكثر من ذلك يستمر العالم في اعتبار الرئيس السوداني عمر البشير، شخصا مطلوبا من طرف العدالة الدولية على خلفية الأوضاع في دارفور والذي بلغ حسب المراقبين الدوليين درجة الكارثة الإنسانية· ومع أن الانتخابات الأخيرة قد لا تكون الحل النهائي لكل مشكلات البلد، على اعتبار أن متتبعي الوضع هناك يؤكدون على أن السنة المقبلة 2011 ستكون سنة الفصل، في إشارة إلى تعهد النظام الحالي تنظيم استفتاء تقرير مصير الجنوب، فإما يكون السودان المعترف بمسيحيته وبعده الإفريقي العميق والحفاظ على الثروات أو الاعلان عن ميلاد دولة إفريقية جديدة، وإن كان المرجح الذهاب نحو التماطل وربح الوقت على حساب مصير شعب السودان بمختلف أطيافه·