التفنيش في البلاد العربية هو أخطر كلمة يسمعها العمال العرب في البلدان العربية، والتفنيش كلمة اشتقت من فنّش يفنش تفنيشا، ومنها اسم الفاعل المفنش واسم المفعول الذي يقع عليه وعلى رأسه فعل التفنيشوالمُفنَش، والمُفنش في العادة وكما جرى عليه الطبع الكريم في الدول العربية لا يكون في العادة مفردا وإنما يكون جملة وعددا معتبرا قد يصل للآلاف ويسمون المفنشون بفتح النون، واستوردت الكلمة فنش المهلكة من قاموس اللغة الإنجليزية من كلمة finish والتي لا علاقة لها أبدا بالمعنى الفعلي لإنهاء عقود العمال وطردهم وبشكل يخالف كل شروط وقواعد العمل السارية في الأمم التي ، ولقد قيل لي أن أول مخترع لهذه الكلمة كان عاملا فقيرا وبسيطا من بنغلاديش واسمه ضعيف مظلوم وجد نفسه مطرودا من العمل فذهب في شوارع الكويت يطلب النجدة وهو يضرب كفا بكف ويصيح أنا فنش··· أنا فنش، ومنذ ذلك الحين دخلت الكلمة مصطلح معاجم اللغة في البلدان العربية مع ما أدخله العمال الوافدون من شرق آسيا من مصطلحات سيطرت على معجم اللغة الدارجة في الخليج خاصة، والتي يتقن أبناؤها استخدام معظم اللغات الآسيوية باستثناء اللغة العربية التي تحولت إلى مفردات يرطن بها أصحاب التفنيش وحكامه· ما حصل في الكويت منذ أيام من تفنيش لعمال من مصر لم يكن وكالعادة بسبب خلاف بين حكومتين، أو بسبب سوء فهم أو تفاهم بين زعيمين عربيين اعتدنا على سماعه وسماع الردح المرافق له، وإنما كان نتيجة ظاهرة جديدة بدأت تطفو على سطح الأحوال الجامدة في مصر، وهي ظاهرة أنصار البرادعي والتي تهدد بظهورها نظاما وصل إلى الحكم نتيجة ثورة على الملكية الظالمة والفاسدة والمتعفنة والمهترئة والخائنة والمتخلفة كما قيل لنا، ثم وجدنا أن الثورة وبعد وفاة مؤسسيها قد اختطفت وأعادت الأمور إلى عهد الملكية الاستبدادية ولكن بأسماء جمهورية، ولم يعد حجم الفساد والخيانة الملكية يذكر أمام كم هائل من الفساد الذي ليس له ضابط أو حدود أو رابط، وفي نظام يشجع على الخيانة والفساد وقتل الروح المعنوية في شعب عرف الحضارة منذ آلاف السنين وتعمد النظام الجمهوري الملكي الجديد نشر الفقر بأنواعه والمرض بأشكاله والظلم بكامل مواصفاته في أرجاء الإقليم المصري الحبيب، ولم يبق لهذا النظام الجديد من حضارة إلا تلك المتاحف الأثرية والتي تذكر المواطن دائما أن أجداده كانوا أهل حضارة وأن عمله اليوم إما أن يكون عاملا في بلدان التفنيش العربي، وإما دليلا سياحيا لتلك الاثار التي ورثها عن أجداده وإما نادلا أو فراشا لتلك الوفود السياحية والتي جاءت لترى تلك الحضارة السالفة وتستمتع بخدمة مميزة من أبناء اليوم والذين تحولوا من بناة للحضارة إلى مفنشين على أبواب البدو، أو عمالا يستجدون العمل في بلدان الذل العربي أو مهاجرين مغامرين وجدوا أنفسهم وسط أمواج الحضارة الغربية دون سلاح باستثناء سلاح المواطنة المصرية والتي لم تعد تشبع أبناءها خبزا فضلا عن المجد وغيره، ولهذا فقد ازداد وعي الشارع في هذا البلد الكبير وإحساسه بالظلم والإبعاد والاضطهاد وبدأت الأصوات ترتفع عاليا، وظن المواطن المصري في مغتربه مع هذا الارتفاع في الأصوات، وظن بعض العمال والشغيلة أن بإمكانهم مساندة إخوانهم في مصر، وبادروا إلى تنظيم احتفال بسيط من أجل تأييد حركة التغيير في مصر، وسارعت على إثره أجهزة الحكم الكويتية والتي تنتمي إلى أمة كبيرة جدا وعريقة اسمها الأمة الكويتية، سارعت إلى جمع المحتفلين وساقتهم مباشرة إلى مصر في حادثة تعتبر من الحوادث الأعجب والأغرب في العالم·