العربي أرزقي من الأسماء الفنية الجزائرية التي نجحت في خلق اسم ومسار في عالم الفنون التشكيلية، ليس فقط من خلال المعارض الفنية وإنما من خلال تلك اللوحات البصرية السينمائية التي فجرت موهبته في الفن السابع· والمثير مع شخصية العربي أرزقي الفنية أنه يستكشف كل أنواع الفنون، حيث أنه من القلة التي لا تخشى توسيع آفاقها من خلال الخوض في تجارب فنية جديدة من شأنها التفتح على الفن العالمي· في هذا الحوار، يتحدث العربي أرزقي عن مفهومه للفن وممارسته في الجزائر· ارتبط اسمك في البدء بمجموعة الأوشام، وهو أسلوب معروف عنه الإغراق في المحلية والرمزية؟ هذا تصور شائع، حيث يعتقد الكثيرون أنني كنت ضمن مجموعة الأوشام، والواقع عكس ذلك تماما، لم أنتمي يوما للمجموعة بالرغم من بعض الأعمال المشتركة معهم· وفي هذا المقام، لا بد من تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة، إذ أن هناك اعتقادا سائدا أن كل من يلجأ للعمل على الرموز والأشكال المحلية يتم تصنيفه بشكل مباشر وآلي ضمن مجموعة الأوشام، وهو أمر بعيد عن الحقيقة· من جانب آخر، في اعتقادي الخاص، فإن مجموعة الأوشام قدمت الجديد والأصيل مع دنيس مارتينز، في حين أن الإصرار على الإبقاء على هذا الإتجاه جعل الكثيرين يقعون في التكرار وابتذال مفهوم الرمزية· تتحدثون عن ابتذال الرمزية التراثية بالرغم من كونكم من المحسوبين على هذا التيار؟ صراحة، لا أعتبر نفسي من المنادين بضرورة التمسك بالرمزية التراثية· على العكس، يحلو لي أن أعتبر نفسي من المنادين بالتفتح على آفاق فنية إبداعية جديدة· أقول هذا بالرغم من تعلقي بالتراث المحلي· من وجهة نظري، لابد للتراث أن يتأثر بمحيطه وينفتح على تجارب جديدة، تجارب تسمح له بالتطور والاستمرار في التواجد· بهذا الخصوص يحضرني ما كتبته طاوس عمروش في كتباها ''البذرة السحرية''، حيث تتحدث عن البذرة السحرية التي تعطي الشجرة والثمرات والبذرة التي لا تعطي أي شيء ليست سحرية، في إشارة إلى القدرة على العطاء الدائم· في اعتقادي، التقليد كالمنبع الذي تذهب مياهه لتصب في النهر، غير أن هذا الماء يتشبع عبر الطريق الذي يسلكه· هذا هو مفهوم التقليد الذي لا بد أن يتحول في كل مرة ويتطور ولا يقف جامدا، وإلا حكم عليه بالزوال، مع العلم أن التراث ليس علما دقيقا، حيث يتغير من منطقة لأخرى، وعليه لابد من فهم معنى هذا التراث في سياقه وعدم التلاعب به من خلال منحه أبعادا أكثر مما يتحمّل وإلا لواجهنا خطر استغلال التراث مثلما يتم استغلال الدين وغيره· لا بد من احترام التراث ووضعه في سياقه دون التقيد به وانحصار الإبداع حوله· المتتبع لمسيرة العربي أرزقي يلاحظ عمله على مزاوجة النظرة التحديثية مع إبراز الجانب المحلي، مثلما هو الحال مع ديكورات وإكسيسوارات الأفلام السينمائية التي أشرفتم عليها؟ في الواقع، العمل السينمائي كان تجربة من نوع خاص في متعتها، حيث شكلت تحديا جديدا، على اعتبار أنها لوحات تشكيلية متحركة· وقد أتاح لي العمل في السينما الرجوع للطبيعة والتعامل معها، حيث أن جانبا كبيرا من أعمالي ارتبط بالطبيع كعنصر مكمل وفعال في عملية الإبداع، إذ كثيرا ما اعتمد على مواد قابلة للتفاعل مع العناصر الطبيعية مثلما هو الحال مع الأعمال القابلة للصدأ وغيرها· وحتى أعود للحديث عن التجربة السينمائية، فقد كان بمثابة الاعتماد على ما تقدمه الطبيعة من ألوان· ففي منطقة القبائل تتغير الطبيعة بتغير الفصول لتمنحك صورا غاية في الروعة· وقد استمدت إلهامي من هذه الألوان في كل من فيلم ''جبل باية'' وفيلم ''ماشاهو''· مع الإشارة إلى أن كلا الفيلمين جاء ضمن سياق فني خاص ساهم في خلق البعد الجمالي للفيلمين بالرغم من الاختلاف بين طبيعة كل من ''ماشاهو'' و''جبل باية''· تتحدثون عن التجربة السينمائية بشغف الراغب في تكرار التجربة؟ لا أخفيكم سرا إن قلت إن التجربة السينمائية تسكنني، من منطلق أنها تجربة فنية متكاملة تفتح المجال أمام الفنان لتوسيع الحدود الإبداعية لأقصى الحدود، وهو ما يدفعني للتفكير الجدي في خوض هذه التجربة في الفن السابع، ليس من خلال المشاركة في الديكورات وإنما تجربة متكاملة، حيث أفكر في الإخراج منذ فترة· غير أن الوضع السينمائي في الجزائر لا يسمح بالخوض في هكذا تجربة بسهولة، إذ لا بد من التفكير المتأني في التمويل، غير أنه من حيث المبدأ أفكر جديا في إنجاز عمل سينمائي· تطرقتم لتمويل الفن في الجزائر، ألا تعتبرون أن زيادة عدد أروقة الفنون ساهم في الترويج للفن التشكيلي، هل تعتقدون أنه اهتمام بالفن أم مجرد تجارة؟ على حد علمي، الجزائر العاصمة لا تتوفر على الكم اللازم من أروقة العرض للفنون التشكيلية، مع الإشارة إلى أن المتوفر منها يحكمها القانون التجاري، فالأروقة المتوفرة تشترط تحقيق الربح· في حين أن الفنان الذي لا يحقق الربح التجاري لا ينظر ناحيته· ليس هناك من مؤسسات توفر للمبدع فضاء إبداعيا يضع القيمة الفنية والإبداعية فوق كل الاعتبارات، الأمر الذي يجعلني أقول إن الأروقة في الواقع أروقة تجارية في المقام الأول·