اقتحم الفنان التشكيلي الجزائري عالم الفن المعاصر بكل احترافية وإبداع، ولم تثنه هذه الخطوة عن تقديم بصمته الخاصة والتي تعبر عن ثقافته ورؤيته للحياة والفن وكل ما يمكن تجسيده عبر تقنيات حديثة حافظت على جوهر الفن التشكيلي وإن غيّرت من شكله. وفي هذا الصدد، تتواصل برواق محمد راسم بالعاصمة فعاليات معرض الفن المعاصر بعنوان "فوكيس، 5/5" بمشاركة خمسة فنانين جزائريين، وهم صادق رحيم، صالح مالك، ارزقي لعربي، مصطفى نجاي وبوراس. الفنان التشكيلي الجزائري محب لكل ما هو جديد ومتفتح على الحداثة والعصرنة، فاقتحم عوالم جديدة من الفن وعبر بطريقته الخاصة عن ما يدور في محيطه والبداية بصادق رحيم في الفن التركيبي والذي اختار أحد مواضيع الساعة ألا وهو"القدرة الشرائية الضعيفة"، فوضع حوالي مائتي قفة سوداء في مدخل باب من الرواق تبدو وكأنها تتساقط مشكلة جبلا من القفات، وأمامها عربة واحدة تستعمل في السوبر ماركت، الفضاء الذي يلجأ إليه الميسّرين عكس الآخرين الذين يستعملون القفات في شراء حاجياتهم. وتطرق صادق إلى القدرة الشرائية الضعيفة، التي أصبحت تنهك الحياة اليومية للمواطنين ولم تعد تمس الفقراء منهم وحسب، بل تعدتها إلى الطبقة الوسطى، وأصبحت تهدد استقرار العائلات الجزائرية مخلفة بذلك العديد من المشاكل والأزمات في المجتمع الجزائري. غير بعيد عن صادق، نجد بوراس الذي اختار الفيديو وبث عبره صور معالجة مطلية بالأحمر والأسود تحكي عن وحشية الاستعمار الفرنسي اتجاه الجزائريين ويرافق عرض الصور، إذاعة صوت يقرأ قصيدة "القسم" باللغة الفرنسية وعن صاحبها بشير حاج علي الذي يقسم بالشهداء والمجاهدين والمرأة والليل والنهار والصداقة وأشياء أخرى، على انه لا يكره الشعب الفرنسي. من جهته، اختار صالح مالك أحد رموز اللباس التقليدي العاصمي والمتمثل في"العجار"، فعرض 28 قطعة وأعطى لكل منها اسما قد يكون هو اسم صاحبته، ربما ذلك، رغم أن من هذه الأسامي، نجد منها العربية كجهيدة ولطيفة وفريدة والأجنبية كماري وليز وإيما، فهل تخطى العجار الحدود الجزائرية إلى ما وراء البحار؟أم انه جذب ما وراء البحار إلى أرض الوطن بمميزاته. في عالم آخر، رسم أرزقي لعربي أحزانه التي ربطها بالبحر، الذي أخذ والده منه عندما قرر هذا الأخير أن يترك الهضاب العليا إلى الساحل بغرض العيش، فذهب ولم يعد حينما رأى البحر، هذا اليم الذي أحزن بدوره أرزقي حينما اكتشفه بعد ثلاثين سنة من رحيل أبيه، فبكى. ووضع أرزقي صورة هيكل أسود لشخص مجهول، وسط مربع تحيط به دائرة، وبالقرب منها صورة أخرى لهيكل أبيض هذه المرة ربما هي لنفس الشخص ولكنها مقلوبة أي أن رأسه في الأسفل، داخل دائرة التي هي بدورها داخل مربع. لننتقل إلى متاهة مصطفى نجاي، الذي اهتم بالإنسان فوضع هيكلا في بداية لوحة كبيرة سوداء، سرعان ما يتضاءل تدريجيا ليصبح في آخر المطاف مجرد خط مستقيم، وكأنه يصور بطريقة أخرى عمل داروين الذي تحدث عن التغيرات التي صاحبت نمو الإنسان إلا أن عمله كان مخالفا من حيث أن هذا الإنسان مع مرور الزمن يتضاءل ويتحول إلى مجرد شكل هندسي من ضمن كل الأشكال الهندسية التي تملأ العالم، ففقد خصوصياته ولم يعد سيّد الكون.