ظلت، ولا تزال، مسألة الذاكرة نقطة حساسة يتحاشى الكثير من صانعي تاريخ البلاد التعاطي معها أو التعليق على ما يصدر من كتابات من حين لآخر ·· ولعل إثارة بعض الفصول أو الأحداث في شكل كتب أو على صفحات الجرائد يعد، إلى حد ما، عملا وإن كانت له أهميته التاريخية بغض النظر عن مضامينه ومدى صحتها يبقى بعيدا عن إثارة الجدل وتحريك الألسن للمطالبة الجدية بكتابة تاريخ البلاد وسحب البساط من تحت أرجل بعض المغامرين الذين يستغلون التاريخ لأغراض ذاتية· إن المثير في مسألة الكتابة التاريخية أنها بقت حكرا على مجموعة من الفاعلين على مدى السنوات التي شهدت فيها الجزائر مرحلة حاسمة ألا وهي فترة التحرير· ويبقى التركيز على هذه الفترة كونها تطرح العديد من نقاط الظل التي لم يطلها نور الحقيقة· فمعظم السير التي كتبها القادة التاريخيون للثورة ظلت حبيسة نظرة ذاتية تحاول في الكثير من الأحيان تبرير أفعال وأقوال ليس أمام التاريخ، بل أمام متلقٍ من شرائح وفئات لم تعايش تلك الفترة· إن الكتابات التاريخية، البعيد في معظمها عن العين الأكاديمية اليقظة التي تعتمد التحليل العلمي ومقارنة الشهادات والقرائن التاريخية، جعلت من المادة المطروحة أمام القراء مجرد ''مزايدات'' في الغالب على أشخاص لم يعودوا من هذا العالم كي يدافعوا عن أنفسهم· فالأسهل أن نتحدث عن أناس صمتوا إلى الأبد ولا يملكون القدرة على الرد· من البديهي أن يفقد العامة، وخاصة الشباب، الثقة فيما يكتب، ويقال هنا وهناك عن تاريخهم لسبب بسيط وهو أن حتى رواة التاريخ أنفسهم يقعون في مطبات التشكيك في نقل الأحداث أو تحريف بعض الحقائق خدمة لمصالح شخصية· ولعل اختيار الفرار نحو الأمام وتحاشي الحديث عن الماضي دفع بالمجتمع إلى التبني الطوعي للنسيان، بل وتحول إلى حالة مرضية معقدة تعتمد أساسا على الكبت ونكران كل ما يرتبط بالماضي حتى القريب منه ·· حالة ''الأمنيزيا''، كما يعبر عليها بالفرنسية، لا تخدم المجتمع بقدر ما تضره وتلحق الأذى بمسألة جوهرية تتعلق بسؤال الوجود والكينونة لدى الفرد الجزائري الذي، وإن جهل ماضيه، حتما لن تكون له أية قدرة على صناعة حاضره وتصور مستقبله·