أحيانا تبدو الحياة قاسية وغادرة وحتى قذرة، وأحيانا أخرى تبدو منصفة بشكل كبير فتسعد الناس وتدفعهم لتحقيق أحلام ربما هم أنفسهم لم يحلموا بها·· خطرت ببالي هذه الفكرة بعد سماع خبر وفاة الفنان الجزائري، توفيق ميميش، على الركح المسرحي، أول أمس، وهو يؤدي آخر أدواره على مسرح عز الدين مجوبي بعنابة ومسرح الحياة ككل، ترى هل حلم ميميش ذات يوم أن تكون آخر لحظة له في الحياة على الركح؟ لا أعرف لكنني أتذكر ولعه وجنونه بالمسرح وتلك الضحكة المجلجلة التي كانت تصدح في شهر ماي من العام الماضي في مهرجان المسرح الوطني المحترف بين جدران بشطارزي·· هل حلم ميميش بهذه اللحظة قبل أول أمس؟ربما دائما تكون أحلامنا متعلقة بالحياة، لكن عندما يتعلق الأمر بالموت لا تكون هناك أحلام·· فقط كوابيس، ولا شيء غير الكوابيس؟ لكن ماذا لو منحتنا الحياة تلك الفرصة الذهبية للموت في مكان عشقناه طول حياتنا·· وربما عشقناه لدرجة الفناء دون وعي مطلق·· تعود إلى ذهني الآن بوضوح غريب لحظة رحيل الفنان السعودي، طلال مداح على المسرح وهو يحتضن عوده ويعزف آخر ألحانه الحزينة·· وأتذكر تلك الحكايات التي رواها لي المخرج المسرحي المميز جيلالي بوجمعة عن المسرحي الرائع الراحل سراط بومدين وكيف زاره الموت ذات ليلة وحيدا في مسرح الموجة وكانت آخر لحظات حياته التي أفناها في المسرح على الركح·· هل عشق هؤلاء الرجال الفن والركح إلى درجة الموت فأنصفتهم الحياة بهذه الهدية الثمينة·· ربما تكون أخطر أمور الحياة تلك التي نعشقها إلى حد الفناء، فنثمل بها أبدا·· وإن كان الجميع يعتقدون أن تجارب سراط، ميميش، مداح··· وغيرهم كثيرين هي مجرد صدف، ففي داخلي حدس يقول أنها ليست صدفة وإنما هي لحظة تجلي تمنحها لنا الحياة مقابل الصدق والثمالة التي قضيناها في عوالم مختلفة في هذه الحياة، فأن يموت ميميش في شهر المسرح، وعلى المسرح وهو يؤدي مسرحية تحمل عنوان ''حياة مؤجلة''·· ليست مجرد صدفة بلا معنى، وإنما هي نهاية أكثر التجارب خطورة في الحياة، تجربة الفناء في العشق·