عاش مطار هواري بومدين ليلة الخميس الماضي أجواء حماسية أعادت للأذهان الأجواء التي عرفها ذات المطار أثناء عودة فريقنا الوطني من السودان يوم 19 نوفمبر من العام الماضي بعد أن افتك التأهل إلى مونديال جنوب إفريقيا، واستقبل أبطال قافلة الحرية كما استقبل أبطال أم درمان، كما ذكرنا مناضلو حركة مجتمع السلم ليلة الخميس إلى الجمعة بتلك الأجواء الحماسية التي كان يصنعها هؤلاء في قاعة حرشة في بداية التسعينيات، وهم يتوافدون إليها للاستماع لرئيسها المرحوم الشيخ محفوظ نحناح· تحوّل مطار هواري بومدين الدولي ومحيطه مساء يوم الخميس الماضي إلى قبلة لآلاف المواطنين الذين قدموا بسياراتهم وفي حافلات خاصة، لاستقبال أبطال قافلة الحرية الذين حلوا بأرض الوطن في الساعة الأولى من يوم الجمعة الماضي، وقد غصت حظيرة المطار بالمئات من السيارات والحافلات، وحوّلوا هدوء منطقة الدارالبيضاء إلى صخب كبير أعاد إلى الأذهان يوم 19 نوفمبر الماضي عندما حج الآلاف من الجزائريين للمطار من أجل استقبال أبطال أم درمان، وقضى العشرات من المواطنين الذين تنقلوا إلى المطار أكثر من ثماني ساعات كاملة في انتظار أبطال قافلة الحرية ال 31 الذين كانوا ضمن قافلة المساعدات الإنسانية الموجهة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة· الثامنة مساء - كانت الساعة تشير إلى الثامنة مساء عندما وصلنا إلى مطار هواري بومدين الدولي، وقد لقينا تسهيلا كبيرا من طرف أعوان الشرطة على مستوى الحواجز الأمنية بالمطار الذين طلبوا منا المرور بمجرد أن أخبرناهم بأننا هنا لتغطية وصول أعضاء قافلة الحرية، ليرد علينا أحدهم ''تفضلوا بالمرور الله يعاونكم···''، وبمجرد أن ركنا السيارة بالحظيرة شاهدنا عشرات المواطنين يسيرون في قوافل متجهين إلى المطار تحت تأطير أعوان الشرطة الذين طلبوا منهم البقاء بعيدا نوعا ما عن محيط المطار إلى غاية قرب موعد وصول الطائرة، وكانت الشعارات الممجدة لسكان غزة وقافلة الحرية تنبعث من كل مكان والرايات الوطنية والفلسطينية تعلو في كل الأرجاء· الثامنة والنصف - لم يتمكن أعوان الشرطة الذين حضروا بكثافة لتأطير هذا الحدث من التحكم في المئات من المواطنين الذين توافدوا على المطار، فأرادوا الدخول بالقوة، لكن مصالح الأمن كانت قد وضعت حواجز أمنية لمنع الاحتكاك وتسهيل خروج أعضاء قافلة الحرية، أما بالداخل فقد بدا لنا المطار خاليا على عروشه ومهجور وأغلقت كل المحلات التجارية عدا مقهيين بالمطار اللذان بقيا يؤديان عملهما، في حين أن المسافرين القادمين من دول أخرى فقد بقيوا مذهولين ويسألون عما يحدث، وقد ساد الاعتقاد لدى الكثير منهم أن الأمر يتعلق بقدوم الفريق الوطني لكرة القدم. في تلك الأثناء سمح لبعض المواطنين بالدخول، أغلبهم نواب بالمجلس الشعبي الوطني ومناضلين من حركة مجمع السلم، وبقيت الهتافات والشعارات تسمع في كل الأرجاء، وعرف المحيط توافد المئات من المواطنين ليتحوّل المطار إلى قِبلة للآلاف منهم· الساعة التاسعة ليلا - بداية وصول الصحفيين بكثافة من بينهم مراسلين للقنوات الفضائية المعتمدة في الجزائر ومندوبين للصحافة الأجنبية، بالإضافة إلى عشرات الصحفيين والمصورين الذين بلغ عددهم أكثر من 50 صحفيا، كما حضر إلى المطار عدد من المجاهدين وممثلين عن الجمعيات الوطنية من بينهم الأمينة العامة للاتحاد الوطني للنساء الجزائرية نورية حفصي، وكذا مناضلين لعدد من الأحزاب السياسية ورؤساء لبعض الأحزاب، من بينهم جهيد يونسي رئيس حركة الإصلاح ورئيس حركة النهضة· التاسعة والنصف ليلا - بدأ أعضاء وذوو عائلات أعضاء الوفد الجزائري في الوصول إلى مطار هواري بومدين الدولي وهم حاملين باقات الورود لاستقبال أبطال الجزائر الذين عادوا سالمين من مجازفة كبيرة عاشوها في تلك الليلة المشؤومة التي أرادتها آلة الدمار الإسرائيلية أن تكون دموية، من بينهم أفراد من عائلة عبد الرزاق مقري رئيس الوفد وأحمد براهيمي منسق الحملة وأفراد من عائلات أحمد لطيفي نائب بالبرلمان، وعلالي العربي نائب بالبرلمان، وأفراد من عائلة مندوب جريدتنا عبد اللطيف بلقايم ومندوب جريدة ''الخبر'' حميد زعاطشي، وكانت علامات الافتخار بادية على وجوه ذويهم في استقبال أبطال الحرية. وذكر عدد ممن اقتربنا منهم أنه بقدر ما تمنوا الشهادة لذويهم بقدر ما غمرهم الشوق للقاء الأقارب والفرقاء. وبينما سمح لذوي عائلات أعضاء الوفد من الدخول، توافد أيضا بعض الرسميين على قاعة الركوب بالمطار منهم ممثلين لأحزاب التحالف الرئاسي كالناطق الرسمي للتجمع الوطني الديمقراطي والأفالان ورئيس حركة مجتمع السلم الذي جاء أيضا لاستقبال زوجته التي كانت ضمن أعضاء القافلة· العاشرة والنصف ليلا - لا مكان فارغ في المطار ومحيطه ولا نكاد نسمع سوى التكبيرات وترديد الشعارات الوطنية والقومية الداعمة لفلسطين وسكان غزة المحاصرين، وتعزز المطار بحضور كثيف لأعوان الأمن من أجل تأطير عملية العودة. الساعة منتصف الليل و20 دقيقة - حطت الطائرة الجزائرية القادمة من عمان وهي تحمل أبطال الجزائر، وضم الوفد الجزائري الذي انتقل لإحضار الرعايا الجزائريين كلا من كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية المكلف بالجالية الوطنية في الخارج، حليم بن عطا الله، ورئيس حركة مجتمع السلم أبوجرة سلطاني وأربعة أطباء منهم طبيبين نفسانيين وأعضاء في الكتل البرلمانية لأحزاب التحالف الرئاسي ''جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم'' والكتلة البرلمانية للأحرار، إلى جانب صحافيين، وبعد ساعات من الانتظار حطت الطائرة على أرضية مطار هواري بومدين، وتزاحم المصورون الصحافيون لأخذ صور لأول الخارجين، وكان في المقدمة أبو جرة سلطاني وحرمه، إضافة إلى عبد الرزاق مقري قائد الوفد الجزائري الذي بدا متعبا ومرهقا من الأحداث التي عاشها خلال الأيام الماضية، لكن ذلك لم يمنعه من الإدلاء بتصريح صحفي حيث ذكر ''إن الإسرائيليين ارتكبوا جريمة شنعاء بالاعتداء على مواطنين عزل من جنسيات مختلفة، كانوا حاملين أدوية وأغذية وأغطية لسكان غزة المحاصرين، مشددا على أن الجريمة الإسرائيلية لن تثني أنصار القضية الفلسطينية عن تكرار التجربة مرة أخرى، وفي أقرب وقت ممكن''· بعد منتصف الليل - الوقت للشهادات بعد أن خرج أعضاء قافلة الحرية، فسح المجال للصحفيين لأخذ شهادات الأبطال، فكانت أولى الشهادات تلك التي ننقلها على لسان السيدة صليحة نواصرية التي شاركت في القافلة، فقالت إن الإسرائيليين هجموا بأرمادة عسكرية ضد السفن المشكلة لقافلة الحرية، مؤكدة أنهم فور صعودهم إلى السفينة، أمروا النساء بالبقاء في الداخل، في وقت كان فيه الرجال يقاومون هجوم العساكر الإسرائيليين بصدور عارية، وأشارت إلى أنه في كل مرة كانت تسأل عن جنسيتها وتقول جزائرية، يتغير لون سائلها، مؤكدة أنها رفضت الإجابة عن أي سؤال لأنها -على حد قولها- سخرت من المحققين معها بالادعاء أنها لا تفهم لا العربية والإنجليزية ولا الفرنسية، وإنما ''الشاوية'' (وقد أذهل ذلك الضابط الإسرائيلي، وراح يبحث في الأنترنت فلم يجد للشاوية أثر''، فواصلت سخريتها قائلة: ''كيف تفتقد حكومتكم لمترجم للغة الشاوية''· أما جمال سبتي، وهو إمام وداعية، فقال: ''إن الشيء الذي بقي عالقا في ذهنه هو أن العساكر الإسرائيليين من أجبن خلق الله''، وحجته أن هؤلاء كانوا مدججين بالأسلحة ووراءهم أربع بوارج بحرية، ومع ذلك لم يستطيعوا الاستيلاء على السفينة التي كان على متنها جزائريون إلا بعد مرور 4 ساعات، مشيرا إلى أن الباخرة الجزائرية كانت آخر باخرة تم الاستيلاء عليها، وأن رجالها قاوموا المهاجمين بأيديهم، وأوضح أن العسكر الإسرائيليين حاولوا عدة مرات حمل الجزائريين على توقيع وثيقة بالعبرية قالوا إنها شكلية، لكن جميع أعضاء الوفد رفضوا التوقيع· أما السيدة نجوى سلطاني، حرم رئيس حركة مجتمع السلم، فقالت إن اكتشاف الإسرائيليين أنها تحمل جواز سفر دبلوماسي أثار حالة طوارئ، لأنهم اعتقدوا أنها دبلوماسية، مشيرة إلى أن جوازها كلفها خضوعها للتحقيق على يدي جنرال إسرائيلي، وأن استنطاقها تكرر عشر مرات· من جهته، أشار مصطفى مقري، ابن رئيس الوفد عبد الرزاق مقري، البالغ من العمر 23 سنة، أن القوى الإسرائيلية العدوانية سلمت للجزائريين المعتقلين محضرا يتضمن ضرورة اعترافهم ''بأنهم دخلوا إلى إسرائيل بطريقة غير قانونية''، وأكد في هذا السياق ''ولا رعية جزائرية قامت بالتوقيع على هذا المحضر لأننا كنا متضامنين وفضّلنا البقاء في السجن على الاعتراف بإسرائيل''· وأجمع أغلب أعضاء الوفد أيضا أنه تم وضع الجزائريين ال 32 بطريقة ''وحشية'' بسجن بئر السبع ' بعد أن انتزعت منهم أمتعتهم وهواتفهم النقالة وأجهزة التصوير وجوازات سفرهم، ''رفضوا إعادة تسليمنا جوازات السفر''. وعند الإفراج عنا لم يسلم الجيش الإسرائيلي جوازات السفر لصحفيين إثنين وشابة دون تقديم الأسباب''، حسبما صرح به المعنيون الثلاثة·