لما أعود إلى مقهى ''طونطونفيل'' لأتعايش مع سجارتي وأشرب فنجان قهوة ·· ينتابني شوق كبير إلى تلك الأيام الخوالي وجلسات الحب والمودة مع جموع الفنانين· والآن، ونحن نبحر في دورة الجزائر الأبدية، في الطبعة الخامسة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، تبدو ''طونطونفيل'' أشبه بذاك المكان الذي يتحول إلى نقطة لقاء إجبارية لمعظم المشاركين في هذه الدورة· يلتقي فيه الفنانون، العشاق، المتعطشون للمعرفة والنقاش في غياب فضاءات رسمية· ''طونطونفيل'' يجمع ما بين كل المتناقضات، فيكثر فيه النفاق ·· عناق وسلام رخامي بارد في ظل خدمات تدعو للحسرة وتؤسف أمام أجانب وجدوا في شمس الجزائر حرارة تشد عشقها· ''طونطونفيل'' يزدحم بزواره قبل كل عرض، ليترقبوا ما يقترحه من أشكال الفرجة المسرحية بإبداعات جميلة تارة، ومخيبة لأفق توقعهم تارة أخرى· ''طونطونفيل'' تكسر روتين المهرجان، فتزرع نوعا من النشاط رغم هروب مجموعة قليلة من مشاكسي الخشبة إلى فضاءات أخرى صالحة للتعبير ودفاعا عن حقهم في الخلوة المسرحية· ''طونطونفيل'' تتحكم في تشكيل فضاء النقد بأشكاله، فهي بورصة يجمع فيها كراء أصوات المصففين أثناء العروض وفضاء ''للتقرديش'' يرفع من يحب ويسقط من لا يحب· ''طونطونفيل'' فضاء للمودة، فترى جل الألبسة المستوردة تتحرك لتشعل فتيل الغيرة والمعاكسة، فالتباهي بالحلي وتسريحات الشعر يوقد نار العشق الدفينة في أكواب الشاي الباردة· ''طونطونفيل'' مجرد لقاء عابر في حياة المهرجان وحياة سنة مسرحية ·· نلتقي ونفترق ويبقى المكان لوحده يتذكر كل الذين مروا من هنا ·· ينحسر على بودية والحاج عمار ومصطفى كاتب وبوعلام رايس ومجوبي وعلولة والقائمة طويلة· أحتسي قهوتي بتأن وأدخن سجارتي وأرتقب دورة المهرجان التي ستأتي··