الديمقراطيات الناضجة لا تحارب بعضها البعض لكن غير الناضجة تفعل ذلك، وهي أكثر نزوعا للعدوانية بأكثر من النظم الشمولية، وهذه نتيجة توصل إليها رجال السياسة في الولاياتالمتحدةالأمريكية في عام 2005، وهي الأفكار الخطيرة المتعلقة بتعامل الولاياتالمتحدةالأمريكية مع الإسلام السياسي وتحديدا ما يتصل بتغيير النظم الحاكمة في الشرق الأوسط التي يرونها في الأساس إسلامية تشجع التطرف وتأوي الإرهاب. والعمل على إحلال السلام من خلال نشر الديمقراطية يتطلب إجراء انتخابات حرة من دون أن تكون لديها آلية للمحاسبة أي مؤسسات كالقضاء المستقل وسيطرة مدنية على الجيش وحماية كافية لأحزاب المعارضة وللصحافة، يكون للسياسيين ميل لاتباع سياسات تفضي ببلادهم للبدء في شن الحرب، ففي مثل هذه الدول يعرف السياسيون كيف يمكنهم تأجيج الصراع من خلال المطالبة بأحقيتهم في بعض أراضي الدول المجاورة، ومن ثم يكون لديهم المبرر لتبني سياسات استثنائية، وأنه من خلال المسح للدول التي تبنت الديمقراطية بطرق ملائمة، قضاء مستقل قبل إجراء الانتخابات، سنجد أنها كانت عدائية للغاية. في السنوات الأولى للتحول الديمقراطي ومنذ 1815 كانت الدول التي تبنت الديمقراطية أكثر نزوعا لخوض حرب ضد جارتها سواء كانت هذه الجارات ديمقراطية أو شمولية، وباستعراض الدول التي خاضت التجربة للتحول الديمقراطي سواء الولاياتالمتحدةالأمريكية أو في ألمانيا من 1918 إلى 1871 أم باكستان على مدار تاريخها، وجد أن هذه الدول في مراحل تحولها الأولى تجاه الديمقراطية وبالذات الدول التي وضعت مؤسساتها في الإتجاه الخاطئ كانت تميل للبدء بالعدوان والحرب ومنها فرنسا في عهد نابليون الثالث (1852 - 1870) وصربيا في الفترة من (1877 - 1914) وإثيوبيا واريتريا ما بين 1998 - 2000 وباكستان من 1947 حتى الآن، وفي الثمانينيات كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتبر العراق من الدول الديمقراطية، وهي حالة إيجابية زائفة لوصف الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقامت بشن حرب ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لكن يظل المثير في هذا التحليل، أن الدول الكبرى أكثر ميلا لشن الحروب من الدول الصغرى وبالذات الديمقراطية، ولكن مع هذا كله، يمكن القول أن أي دولة ديمقراطية بمؤسسات مدنية ضعيفة أو رديئة أو زائفة تكون أكثر وبالا على العالم من الدول الشمولية، وهنا يأتي ذكر العراق، فعملية دمقرطة العراق من خلال إحتلالها والاطاحة بالنظام السياسي البعثي الذي كان يحكمها وتكريس مؤسسات مدنية مفتعلة من شأنه أن يجعل من العراق واحدة من أخطر الدول في العالم على الإطلاق، إذ لن تلبث أن تهاجم جاراتها وتبدأ معهم حروبا جديدة بعد خروج القوات الأمريكية حتى ولو تم تفعيل منظمات المجتمع المدني داخلها وحصل فيها المواطن على كل حقوقه السياسية والإجتماعية، لكن العجيب هو ما يقرره عمالقة السياسة العالمية بالرغم من أن صدام حسين كان طاغية وشن حربين واحدة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام ,1980 والأخرى ضد الكويت 1990، وخاض صراعا غبيا ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية إلا أن عراقا ديمقراطيا قد يكون على ذات القدر من الطغيان، وبالذات عندما يحصل على استقلاله، إذ ستتقاتل النخب هناك في المستقبل القريب العلمانيون واليساريون والمعتدلون وحتى الإسلاميون السنة والشيعة من أجل حيازة التأييد من الأغلبية، وذلك بتأجيج المشاعر الوطنية ضد الجيران وبالذات إيران والكويت والسعودية وسورية وإسرائيل، ومن هنا تكون مخاطر تحول العراق المسلم للديمقراطية كانت أغلى مما كانت تظن الولاياتالمتحدةالأمريكية (إدارة بوش)، وأن التكلفة السياسية لتحويل العراق للديمقراطية كانت أغلى سعرا من الإبقاء على صدام حسين الذي يعتبر لدى بعض السياسيين الأمريكيين الإطاحة به خطأ إستراتيجيا، إذ كان يكفي تهديده وردعه إذا ما فكر في استخدام الأسلحة النووية· وبرغم خطورة وأهمية هذه التحليلات السياسية، إلا أن الإشارات الواردة من واشنطن بشأن تحويل العراق إلى دولة ديمقراطية تكون نموذجا لتحويل العالم الإسلامي للنموذج المسالم المعتدل وفق المصطلح الأمريكي حيرت الكثير من السياسيين في العالم العربي وبلبلت أفكارهم، خاصة بعد تصريح عدد من كبار مسؤولي البيت الأبيض أن الهدف من وجود القوات الأمريكية في العراق هو أن يكون العراق موحدا ولا يزعج أيا من جيرانه وبالذات إسرائيل، إذ لا يوجد قانون يجبر القوات الأمريكية على البقاء في أكثر المناطق عدائية لها في العالم· ومع هذا كله، فإنه يمكننا القول بأننا نواجه الآن حملة استعمارية أمريكية صهيونية لتحل محل الأوروبية البريطانية والفرنسية بالدرجة الأولى وهم يخططون (أمريكا والصهاينة) لاحتلالنا ولقرن جديد لما يسمونه الشرق الأوسط الكبير، أو كما صرح الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإمبراطورية الإسلامية من إسبانيا إلى أندونيسيا، وتسمية الشرق الأوسط الكبير جديدة أمريكية صهيونية، وهذا ما يجعلنا نرتفع إلى مستوى الحدث ونخرج من دائرة التلفيق والتشويه والتيه الذي قادته أوروبا إلى بلادنا، فالأنظمة العربية والإسلامية القائمة والتي زال بعضها أخيرا نشأت جميعا في ظل الهيمنة الأوروبية والأمريكية·· ولم تكف أمريكا وأوروبا عن دعم الأنظمة وتوجيهها نحو أهداف الغرب في يوم من الأيام، ولكن بعد أن شاخت هذه الأنظمة واستنفذت كل ما فيها، أصبحت أمريكا وإسرائيل تخططان لمشروع جديد ولقرن دائم ووضعتا في حسابهما الواقع الجديد الذي تعيشه الأمة الذي أظهر هزال الواقع المعاش وفشل أو استهلاك الشعارات الحكومية والشعبية سواء كانت أنظمة سمت نفسها بالثورية والتقدمية واليسارية وحتى أصحاب هذه الأفكار من علمانية وليبرالية ويسارية وحداثية وغيرها، فقد اكتشف الإنسان العربي والمسلم فشل هذه الأنظمة وهذه الشعارات ودعاتها، وأصبح لا يثق بها ولا بمستقبلها، لأنها جلبت إليه الكوارث وما تعيشه الأمة الآن شاهد أكبر على هذه النتيجة، وفي تحاليل دهاة السياسة الفاحصة للواقع، يرون أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أصبحت تنظر بجدية إلى مدى صلاحية الأنظمة العربية وقبول الشعارات المرفوعة، ووجد هؤلاء الفطاحلة في السياسة أن التوجه الإسلامي في جميع البلاد العربية والاسلامية هو ما تبقى من أمل لشعوب هذه المنطقة، ووضعت من السيناريوهات العديدة منها وإحدى هذه الفرضيات ماذا لو تعاملت مع الإسلاميين بعد فشل الآخرين، هل تحقق ما تريد كما تم في السابق مع الآخرين؟ ومن باب الاختبار لمجريات الأحداث والتقييم الشامل: طرح شعار الديمقراطيين كمبرر للهجوم على المنطقة واحتلالها المباشر وغير المباشر لها وما جرى في العراق ماثل للعيان، حيث أن الديمقراطية المدعاة جاءت من خلال صواريخ الدمار الشامل الذي حل في العراق وأفغانستان ··. وكمبرر لفشل احتلال العراق، قالت الولاياتالمتحدةالأمريكية نحن نريد نشر الديمقراطية في المنطقة وما جئنا إلا لهذا وهو كذب مكشوف لا يصدقه أحد، فبدأوا يتعاملون مع هذا الشعار في الواقع العملي، فقالوا لأنظمة المنطقة عليكم بالتوجه نحو الديمقراطية والاصلاح السياسي·