على الرغم من أن جولة "جنيف" التي عقد في الفاتح من أكتوبر المنصرم، افتتحت المسار التفاوضي الدبلوماسي المباشر بين الأمريكيين ونظرائهم الإيرانيين حول عدد من المسائل الخلافية وأبرزها الأزمة النووية، إلا إن مجرّد حدوث ذلك لا يعني أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح بالضرورة. فاجتماع "جنيف" يدخل في إطار اكتشاف النوايا الحقيقية للأطراف، ومدى قدرتهم على التوصل إلى اتفاق شامل، الأمر الذي قد لا يتم إنجازه، وبالتالي قد يؤدي لاحقا إلى تدهور أكبر في الوضع مقارنة بما هو عليه، وهو ما أشار إليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشكل صريح وواضح عندما قال بعد الاجتماع "لا يهمنا إجراء المحادثات من أجل المحادثات. وإذا لم تقم إيران بخطوات تتناسب مع التزاماتها، فإن الولاياتالمتحدة لن تستمر بالمحادثات إلى ما لا نهاية، ونحن مستعدون لممارسة مزيد من الضغط". الولاياتالمتحدة لن تستمر بالمحادثات إلى ما لا نهاية، ونحن مستعدون لممارسة مزيد من الضغط". "العقوبات التي عاد الحديث عنها في الآونة الأخيرة تختلف عن تلك السابقة من حيث التوقيت والمفاعيل والقطاعات المستهدفة بها والإجماع التي تحظى به، إضافة إلى الهدف من تطبيقها. ولا شك أن هذا الكلام جاء انطلاقا من التقديرات التي تقول أن الخبرة الدولية الناجمة عن التفاوض مع إيران تشير دوما إلى قدرة الأخيرة على كسب المزيد من الوقت، والتهرّب من إعطاء إجابات صريحة وواضحة حول إمكانيّة التوصّل إلى اتفاق، إضافة إلى إتقان لعبة المماطلة والغموض، الأمر الذي يخلق حاجزا من عدم الثقّة بين الأطراف. ومن المعلوم أنّ العقوبات الدولية أو الأحادية تشكل العنصر الأساس في منظومة "الضغط" التي يريد الرئيس أوباما ممارستها على إيران حال فشل المحادثات الجارية. لكن العقوبات التي عاد الحديث عنها في الآونة الأخيرة تختلف عن تلك السابقة من حيث التوقيت والمفاعيل والقطاعات المستهدفة بها والإجماع التي تحظى به، إضافة إلى الهدف من تطبيقها. إذ يعكف المشرّعون الأمريكيون حاليا على إعداد قانون عقوبات متكامل يستهدف بشكل أساس: 1. حظر صادرات الوقود إلى إيران علما أنّها تستورد من 30 إلى 40% من حاجاتها من الوقود من الخارج. 2. حجب الاستثمارات الخارجية المطلوبة لتطوير قطاعات النفط والغاز في إيران. 3. استهداف القطاع المالي والمصرفي والتجاري في إيران. 4. معاقبة كل من يخرق البنود أعلاه من شركات ومؤسسات وكيانات. وتشير غالبية التقارير الأمريكية الرسمية وغير الرسمية الحديثة والمتعلقة بهذا الشأن تحديدا، إلى أن إقرار المزيد من العقوبات القاسية سيكون الهدف منه: 1. جعل الدبلوماسية التفاوضية الأمريكية أكثر قوّة وتزويدها بالأوراق الضاغطة في وجه ما يسمى "التعنّت الإيراني". 2. وضع حد لعملية "التملّص والخداع الإيراني" وإفهام إيران أنّ عملية التفاوض لن تكون مجانيّة وأنّها يجب أن تصل إلى نتيجة سواء إيجابية كانت أم سلبيّة. 3. التحضير لجعل خسائر إيران قاسية في حال استمرّت على موقفها "الرافض لمناقشة وضعها النووي والأهداف الحقيقية من ورائه"، خاصة في ظل غياب الثقة بها وبنواياها، نظرا لتكتم الإيرانيين على المنشآت التي قد تكون بنيت بالفعل وتم تشغيلها، ولكن لم يتم الكشف عنها كما حصل مؤخرا مع منشأة قم. 4. التحضير لاستخدام العقوبات كورقة استنزاف لإيران من أجل التحضير لعمل عسكري ضدّها حال فشل المفاوضات التي تعد الفرصة الأخيرة لحل الملف الإيراني. ولمتابعة النقاش الدائر حول ضرورة فرض العقوبات وجدواها على إيران، فإن هذا التقرير يقدم قراءة لأبرز التقارير البحثيّة الأمريكية المتعلّقة بموضوع العقوبات على إيران خلال المرحلة القادمة، يمكن تقسيمها إلى قسمين: القسم الأوّل: يعبّر عن وجهة نظر المؤسسات البحثيّة الرسميّة أو الخاصة، ويتضمن: • رؤية "خدمة أبحاث الكونغرس" • رؤية "مركز السياسة الثنائية الحزبيّة" • رؤية "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" القسم الثاني: ويعبّر عن وجهة نظر خبراء ومختصّين بالشأن الإيراني والنووي، وقفت على آرائهم صحيفة نيويورك تايمز (1)، ويتضمن هذا القسم: • وجهة نظر "جاري ميلهولين"، مدير "مشروع ويسكنسن" للحد من الأسلحة النووية، و"فاليري لنسي" من مشروع "إيران ووتش". • وجهة نظر "جيم وولش" الخبير في الأمن الدولي والباحث المشارك في "معهد ماساتشوسيتش للتكنولوجيا" • وجهة نظر "تريتا بارسي" رئيس المجلس الوطني الأميركي الإيراني، ومؤلف كتاب "التحالف الغادر: التعاملات السرّية بين إسرائيل وإيرانوالولاياتالمتحدة". رؤية "خدمة أبحاث الكونغرس" يشير التقرير الصادر عن "خدمة أبحاث الكونغرس" مؤخرا بعنوان "أوضاع إيران الاقتصادية: قضايا السياسة الأمريكية" (2) إلى أنّ هناك جدلا قائما بين المشرعين حول ما إذا كان على الولايات المتّحدة أن تسعى إلى فرض المزيد من العقوبات على إيران بشكل فردي أو جماعي من خلال الأممالمتحدة. صحيح أن العقوبات أثرت على إيران لدرجة ما، لكنّ حجم التأثير الحقيقي لها ومدى فعاليتها غير معروف. وقد توصلت دراسات سابقة إلى أنّ العقوبات تترك تأثيرا بسيطا حيال إجبار الدول على تغيير سياساتها. • إذ يعتقد بعض المشرعين الأمريكيين أنّ فرض عقوبات أحادية فقط على إيران قد يعيق عملية توسيع الجهود والإجراءات الجماعيّة العقابيّة الرامية إلى تعديل النهج الإيراني في الملف النووي عبر الأمم المتّحدة، كما أن العقوبات الأحاديّة قد تقلل من رغبة الإيرانيين في التعاون مع الأمم المتّحدة في هذه الحالة. أمّا بالنسبة للدول الأخرى كدول الخليج على سبيل المثال، فقد ترفض التجاوب مع التحرّك الأمريكي الأحادي مقارنة مع التحرّك الجماعي الدولي نظرا لتزايد العلاقات التجارية بين دول الخليج وإيران. • فيما يرى عدد آخر من المشرعين الأمريكيين أنّ التحرّك الجماعي قد يكون عمليّة طويلة، كما انّه سيكون من الصعب الوصول إلى إجماع بين دول متضاربة المصالح في ظل التنافس لدعم الأمن الدولي أو تقوية العلاقات التجارية مع إيران. صحيح أنّ الأممالمتحدة كانت قد أصدرت بنجاح حزمة ثالثة من العقوبات على إيران في وقت سابق، لكنّ ذلك لم يحصل إلاّ بعد أن تم تخفيض قوة العقوبات إرضاء لهواجس الصين والهند. فأولويات المصالح القويّة الضيقة والقصيرة النظر كهذه، قد تساهم في الالتفاف على هواجس الأمن الدولي الطويلة المدى المتعلّقة "بانخراط إيران في تمويل الإرهاب وتطوير التكنولوجيا النووية". وفيما يتعلّق بتأثير العقوبات على الاقتصاد الإيراني والسياسة الإيرانية، يشير التقرير إلى أنّ الجدل حول مدى فعالية وتأثير العقوبات التي يتم التحضير لها على إيران يمتد ليطال المحللين أيضا: • إذ يعتقد بعض المحللين أنّ إيران تعاني من نقص في تدفّق الاستثمارات الأجنبيّة إليها، إضافة إلى مصاعب عديدة في الحصول على تمويل تجاري جنبا إلى جنب مع الصعوبات التي تعترض طريقها في تطوير قطاعات النفط والغاز في البلاد كنتيجة للعقوبات المفروضة عليها. • أمّا البعض الآخر ووفقا لتقرير "GAO" (مكتب المحاسبة الأمير كي التابع للكونغرس)، فيرى أنّ علاقات إيران الاقتصادية الدولية ودورها كمنتج كبير للنفط يجعل من الصعب على الولايات المتّحدة الأميركية أن تعزل إيران لتغيّر من موقفها. ويشير "معهد بيترسون للاقتصاد الدولي" إلى أنّ العقوبات أثبتت بشكل متزايد عدم نجاحها خاصة أنّ الدول التي تفرض عليها هذه العقوبات تستطيع تجاوزها عبر ما توفره العولمة لها من أدوات تتيح لها الالتفاف على العقوبات. وفي حالة إيران، فهي كانت وستظل قادرة على التهرب من الحظر التجاري المفروض عليها عبر التعامل مع الدول التي لا تفرض عقوبات عليها أو من خلال اللجوء إلى دولة ثالثة لاختراق الحظر التجاري كما تفعل مع الإمارات. أضف إلى هذا، أنّ البعض يشكك بمدى فعالية هذه العقوبات على إيران. صحيح أن هذه العقوبات أثرت على إيران لدرجة ما، لكنّ حجم التأثير الحقيقي لها ومدى فعاليتها غير معروف. وقد توصلت دراسات سابقة إلى أنّ العقوبات تترك تأثيرا بسيطا حيال إجبار الدول على تغيير سياساتها. رؤية "مركز سياسة الثنائية الحزبية" يرى المركز في توصيات تقريره الأخير المتعلّق بإيران الصادر في منتصف سبتمبر/أيلول 2009 بعنوان "مواجهة التحدّي: الوقت ينفذ" (3) والذي شارك في إعداده "دانييل كوتس" السيناتور الجمهوري سابقا، و"تشارلز روب" السيناتور الديمقراطي سابقا، والجنرال المتقاعد "تشارلز والد"، أنّ العقوبات تعد المرحلة الثانية في برنامج يتضمّن سلسة من ثلاث مراحل تنص على خيارات دبلوماسية في المرحلة الأولى، اقتصادية في المرحلة الثانية وعسكرية في المرحلة الثالثة. وتبدأ هذه المراحل بالانخراط الايجابي مع إيران ثمّ تنتقل في حال واجهت عراقيل أو لمست عدم تجاوب إيراني واضح معها إلى مرحلة العقوبات الملازمة للتفاوض، وذلك بعد حشد الدعم الإقليمي ودعم الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي، ثم تنتقل إذا فشلت إلى الحصار البحري الشامل استعدادا للعمل العسكري بعد أن تكون قد استوفت جميع التحضيرات العسكرية اللازمة. يرى "مركز سياسة الثنائية الحزبية" أنّ العقوبات تعد المرحلة الثانية في برنامج يتضمّن سلسة من ثلاث مراحل تنص على خيارات دبلوماسية في المرحلة الأولى، اقتصادية في المرحلة الثانية وعسكرية في المرحلة الثالثة. وفيما يتعلّق بالعقوبات، يرى تقرير المركز أنّه قد مرّ وقت كاف منذ بدء الأزمة النووية الإيرانية لتقييم مدى جديّة انخراطها إذا رفضت الجهد الدبلوماسي الأمريكي هذه المرة أو تملّصت من المفاوضات أو راوغت خلالها، وهو ما يتطلّب التعامل السريع معها، وبدء التحضير لفرض عقوبات اقتصادية أقسى عليها من قبل الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي والدول الكبرى، إضافة إلى الأمم المتّحدة إذا أمكن، خاصة انّه لا يوجد دليل على أن الشعب سيتعاطف هذه المرّة وفي هذه المرحلة مع النظام كما كانت الافتراضات تذهب إليه سابقا. بل على العكس توحي جميع المؤشرات إلى أن الشعب سيلوم القيادات الإيرانية على العزل الدبلوماسي وسوء إدارة الاقتصاد، حال فرض العقوبات المتعددة وتشديد الحظر على إيران. ويدعم تقرير المركز فرض العقوبات التي من الممكن أن توفّر فرصة لإجبار القيادة الإيرانية على التجاوب فيما يتعلّق بإعادة النظر ببرنامجها النووي. إذ من شأن العقوبات أن تزيد من فعالية الانخراط الدبلوماسي مع إيران، ولهذا السبب يؤيد الجهود التشريعية الجارية لإقرار قانون عقوبات يتعلق بحظر تصدير الوقود إلى إيران مع اعتقاده بضرورة تطبيق عقوبات أشد قساوة، وتحظى بتأييد ودعم مجلس الأمن لتكون أكثر قوّة وفعالية، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تشجيع الإدارة الأمريكية المجتمع الدولي على التجاوب بدء بعلاقاتها الثنائية ثم بالتعاون الإقليمي بغية الحصول على دعم للعقوبات المفروضة. وقد تصر الإدارة الأميركية على سبيل المثال على الطلب من الإمارات العربية المتحدة تقليص صادراتها من الوقود إلى إيران مقابل زيادة الدعم الأميركي للإمارات في برنامجها النووي. كما يجب على الولاياتالمتحدة أيضا أن تستخدم إسرائيل للضغط على الشركات التي تزود إسرائيل بالوقود أو تؤجرها أماكن التخزين، إذا تبيّن أن هذه الشركات تتعامل مع إيران أيضا في نفس الوقت. ولضمان أن تحظى العقوبات بتأثير اكبر وبفاعلية أعلى، يجب أن لا يتم تفريغها من مضمونها، ويمكن تحقيق ذلك عبر فرض "نظام رقابة وتفتيش بحري" لمواكبة العقوبات المتعلقة بالوقود المصدر إلى إيران. كما يمكن مواكبة هذه الإجراءات بتوفير دعم قوي لأي معارضة إيرانية غير منخرطة بأعمال إرهاب أو عنف، كمشروع القانون المقدم مؤخرا ويسمح بتوفير دعم مالي قدره 50 مليون دولار لمساعدة الإيرانيين على تخطّي الرقابة على الانترنت. وبينما يشجّع التقرير على تضييق الخناق الاقتصادي على إيران عبر العقوبات المتعددة يبدو أنه غير مقتنع بأن مجلس الأمن سيعمل على جعل هذه العقوبات ملزمة دوليا، كما أنه يشكك بإمكانية مشاركة الصين أو ألمانيا في هكذا عقوبات، ولهذا فهو يدعو إلى التحضير للعمل العسكري حال فشل المهمة التفاوضية المدعومة بالأدوات التي توفّرها العقوبات. رؤية "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" يرى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في ورقة نشرها تحت باب "ملخص سياسة" تحمل الرقم 1589 نشرت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2009، بعنوان "تقييم مدى فعالية العقوبات على إيران" (4) أن الهدف الأساسي للعقوبات الجاري تحضيرها هو إجبار إيران على حل الأزمة النووية على الرغم من أنها قد تؤدي أيضا إلى دعم الدبلوماسية الخلاّقة، وإبطاء البرنامج النووي الإيراني إضافة إلى وقف الدعم الإيراني للإرهاب. ويشير التقرير إلى أنّه لا يجب أن ينظر إلى مدى فعالية وتأثير العقوبات المفروضة على إيران من باب قياس مدى الضرر الذي تلحقه بها، وإنما من باب نوعيّة الحوافز والفرص التي تتيحها تلك العقوبة لحمل القادة الإيرانيين على تغيير توجههم في البرنامج النووي. وفي حين أن شل الاقتصاد الإيراني ليس هدفاً في حد ذاته، إلا أنه قد يصبح الوسيلة الوحيدة المتاحة لتغيير التوجّه النووي الإيراني. وتدور الأفكار الأساسيّة لتقرير المعهد حول ضرورة توجيه العقوبات لتطال النظام الإيراني والمتشددين الإيرانيين على اعتبار أن العقوبات البسيطة أو تلك التي تطال الاقتصاد الإيراني لن تصيبهم بالضرورة بأضرار كبيرة بقدر إصابتها للبسطاء من الشعب الإيراني، فوحدها العقوبات التي تستهدف القادة الإيرانيين الراغبين دوما (كما أبدت الانتخابات الأخيرة) في التشبّث بالسلطة، من شأنها أن تؤدي على الأرجح إلى تغيير جذري في سلوكهم غير الراغب في التوصل إلى تسوية للبرنامج النووي. ولا شك أنّ فرض عقوبات قويّة من هذا النوع ستؤدي إلى نتائج أفضل وتؤثر بشكل أكبر على الحسابات الإستراتيجية لإيران، فيما لو قورنت بالعقوبات الاقتصادية البسيطة التي قد تعطي فرصة لأجهزة النظام، كالحرس الثوري، للاستفادة منها. ولضمان التأثير الأكبر لمثل تلك العقوبات، يجب أن نضع بعين الاعتبار أن من العناصر التي من المفترض أن تعمل على تحقيقها للوصول إلى الهدف الرئيسي: يرى "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، أن الهدف الأساسي للعقوبات الجاري تحضيرها هو إجبار إيران على حل الأزمة النووية على الرغم من أنها قد تؤدي أيضا إلى دعم الدبلوماسية الخلاّقة، وإبطاء البرنامج النووي الإيراني، إضافة إلى وقف الدعم الإيراني للإرهاب. • التركيز على إفشال سياسة المتشددين الإيرانيين وإظهار "عدم فعاليتها: فهناك مصلحة أميركية في أن نبرهن أنّ وجهة نظر موسوي صحيحة، وتلك العائدة لأحمدي نجاد خاطئة، والتركيز على أن السياسيات الإيرانية المتشددة لن تكون ناجحة وذلك عبر جعلها أكثر تكلفة مقارنة بالمنافع التي من الممكن الحصول عليها حال التجاوب. لهذه الفكرة الأساسية أهمية كبرى خاصة بعد تاريخ 12 يونيو/حزيران الماضي الذي شهد الانتخابات الرئاسية الأخيرة. لا شك أن الولاياتالمتحدة تريد الانخراط في مفاوضات مع أيران، لكن عليها في نفس الوقت أن تتحاشى أن يؤدي ذلك إلى منح أحمدي نجاد الشرعيّة المطلوبة، وإحدى الطرق المهمّة لتحقيق هذا الهدف تكمن في اتباع سياسة مزدوجة تعمل على تضمين المفاوضات والعقوبات معا، طالما أنّ إيران ترفض انجاز ما عليها من التزامات بموجب قرارات مجلس الأمن. • توسيع الهوة بين النظام والشعب: ويمكن تحقيق ذلك من خلال فرض عقوبات على انتهاكات النظام الإيراني لحقوق الإنسان، وهي طريقة فعّالة لتوسيع الهوّة بين النظام والشعب الإيراني، وبإمكان هكذا عقوبات أن تكون ثنائية الاستعمال إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن المسؤولين عن استمرار البرنامج النووي الإيراني (الذي أمر مجلس الأمن بوقف استمراره) هم أنفسهم المسؤولون أيضا عن القمع في إيران. أمّا بالنسبة إلى فرص نجاح العقوبات ككل، يرى المعهد أن إحدى الصعوبات الكبيرة لحمل إيران على تغيير سياساتها النووية هو أن المرشد على خامنئي ومساعديه يعتقدون على ما يبدو، بأن الغرب سيواصل العمل على الإطاحة بالجمهورية الإسلامية بغض النظر عما يحدث. وقد تكون قراءة هؤلاء للموقف صحيحة، إذ أنهم يشعرون بالقلق من أن تعزز الحوافز المقترحة من قبل الغرب حال قبولها، التفاعل الاقتصادي وتتيح الفرص للإيرانيين بالانفتاح والتعاون مع زملائهم من الغرب. وفي هذه الحالة، تكون الحوافز بمثابة "حصان طروادة"، وبالفعل، فإنه إذا أدى التوصل إلى حل للأزمة النووية إلى انفتاح أكبر من جانب إيران على العالم الخارجي، فقد تؤدي النتائج إلى تعزيز جميع العناصر في المجتمع الإيراني التي من شأنها أن تعمل على تقويض قبضة النظام المتشدد على السلطة. "ميلهولين" و"لينسي": العقوبات الخيار الأفضل ويعتبر الاثنان أنه إذا ما فشلت الولايات المتّحدة وشركائها بالحصول على تعهد إيراني بإيقاف فوري وسريع لتخصيب اليورانيوم بعد الجلسة التفاوضية الأخيرة التي كانت في جنيف، فيجب عندها وضع سياسة العزل الاقتصادي والدبلوماسي الإيراني موضع التنفيذ. في هذه المرحلة سيكون هناك ثلاث خيارات: 1. ضرب المواقع العسكرية والنووية الإيرانية المعروفة. 2. التعايش مع إيران مسلّحة نوويا. 3. فرض عقوبات جماعية قويّة بقيادة الولاياتالمتحدة. وبما أنه سيكون من الصعب جدا التعايش مع إيران نووية لما يحمله هذا الخيار من مخاطر كبيرة، فان شن حرب على إيران أيضا يعني اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط سيكون من الصعب معرفة نهايتها، خاصة أنّ فرص تدمير جميع المواقع النووية والعسكرية الإيرانية سيكون ضعيفا. وأمام هذه المعطيات، يبقى خيار العقوبات القوية الخيار الأفضل القادر على إنهاء السعي الإيراني، وذلك على أن يتم وضعه موضع العمل سريعا حيث أن العقوبات تعتبر أداة قاسية وفظّة من شأنها أن تصيب الحكومة الإيرانية والمؤسسات التجارية في البلاد بأضرار كبيرة بلا شك، لذا فهي الرهان الأفضل في المرحلة الحالية. وباستطاعة العقوبات أن تتضمن كبداية: • قطع ضمانات القروض المقدمة إلى إيران من الدول الكبرى الحليفة والصديقة مثل الاتحاد الأوروبي واليابان.. الخ، وذلك لمنع إيران من استخدامها في الدعم العام لعملية التنمية الاقتصادية. • منع شركات الدول الأجنبية من انجاز بنى تحتية ضخمة في إيران خاصة فيما يتعلّق بقطاع الطاقة، على أن يتم معاقبة الشركات المخالفة بحرمانها إما من بيع منتجاتها أو من الدخول إلى السوق الأمريكية. • حظر كل صادرات منتجات البترول المصفّى المتجهة إلى إيران، ويعمل الكونغرس حاليا على النظر في إقرار تشريع من شانه معاقبة الشركات التي تخرق هكذا حظر مستقبلا، على أن تضم اللائحة شركات الشحن والتأمين التي تغطّي هكذا شحنات. وكذلك حث شركاء الولايات المتّحدة التجاريين على إصدار تشريعات مماثلة، لأن إحداث نقص في تزويد إيران بالوقود من شأنه أن يحمل تداعيات سلبية سريعة ومؤثرة على النظام الحاكم هناك. • استهداف القطاع المصرفي الإيراني بعقوبات أقسى من تلك التي سبق وفرضت عليه، على أن يكون هناك دور لدول منطقة اليورو بمنع إيران من استخدام اليورو في تعاملاتها، كما منعت الولايات المتّحدة الشركات الإيرانية من التعامل بالدولار. فعندها ومن دون الدولار واليورو، سيكون من الصعب جدا ومن المكلف جدا لإيران نقل العملات الصعبة حول العالم، كما إنه سيرفع من تكلفة قيام الحكومة الإيرانية أو الشركات الإيرانية بالأعمال والتجارة. "وولش": العقوبات ستفشل إذا تحوّلت إلى هدف يشير "وولش" إلى أن السياسيين وصناع القرار لا يذهبون إلى العقوبات إلا لأنهم يقدمون بديلا عن الخيار المر المتعلق بالحرب أو الاستسلام. يرى "وولش" أن العقوبات لا يجب أن تكون الأداة المركزيّة وإلاّ فإنها ستفشل، ورغم ذلك، فهو يقدّم رؤية متميزة عن أهمية العقوبات، ويرى أنّ الحديث عن إيران يعني الحديث حول العقوبات. ويشير إلى أن السياسيين وصناع القرار لا يذهبون إلى العقوبات إلا لأنهم يقدمون بديلا عن الخيار المر المتعلق بالحرب أو الاستسلام. وتعد سياسة العقوبات أمرا جيدا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أحدا لا يريد إشعال الحرب، وفي هذه الحالة تصبح العقوبات بديلا عن عدم فعل أي شيء نهائيا. وفيما يتعلّق بمدى فعاليّة هذه العقوبات، فانه من الصعب على الأبحاث أن تقوم بتقييم تأثيرات العقوبات ومدى فعاليتها، لكن بعض الباحثين توصلوا إلى أن العقوبات تنجح بنسبة 50% من الحالات، وتكون أكثر فعالية وتأثيرا إذا طبقت لفترات طويلة زمنيا وعلى دول صغير في الغالب تعتمد على العالم الخارجي. بالنسبة لإيران فهي دولة كبيرة، وهي دولة نفطيّة باستطاعتها بناء أجهزة طرد بفترة زمنية أسرع مما يتطلّبه الأمر من المجتمع الدولي لفرض عقوبات عليها. وقد سبق لإيران أن خضعت للعقوبات منذ تأسيسها قبل 30 عاما، وأي تقييم موضوعي للأمر سيوصلنا إلى الاستنتاج بأنّ العقوبات فشلت فشلا ذريعا في تحويل السياسة النووية الإيرانية. لكنّ ذلك لا يعني أنّ العقوبات لا تحمل مغزى، فهي تزيد من التكاليف والأعباء خاصة إذا ما كان سعر النفط منخفضا وهناك سوء كبير وفساد في إدارة الاقتصاد المحلي، كما أن الهدف من العقوبات عادة هو خلق حوافز بديلة من أجل إقناع الدولة بتغيير سياساتها، فالعقوبات تعني خلق الحوافز من أجل التفاوض وليس من أجل فرض الاستسلام. باختصار، فإنّ السياسة القائمة على العقوبات بشكل أساسي سيكون مصيرها الفشل، كما كانت حتى الآن، إذ من غير المرجّح أن تقوم الدول بتغيير سلوكها إذا لم تكن قد قررت ذلك بإرادتها. وفي الحالة الإيرانية، فإنه سيكون من المطلوب إفهام الإيرانيين أن من مصلحتهم تغيير المسار بما يضمن عدم تحوّل برنامجهم النووي إلى السلاح النووي، وهذا لن يتم إلا عبر: • بذل الجهود الدبلوماسية. • حفظ ماء وجه "الملالي" (رجال الدين) في طهران. • تقديم الحوافز إزاء التجاوب. • زيادة التكاليف مقابل الانتهاكات أو المخالفات. "بارسي": توسيع جدول الأعمال وليس قائمة العقوبات يعتبر "بارسي" أن الدبلوماسية هي الحل الوحيد مع إيران، فعلى الرغم من أن الكشف المتأخر عن منشاة التخصيب في قم من قبل الإيرانيين قد عقد من جهود إدارة أوباما في الانخراط الدبلوماسي مع الطرف الإيراني للوصول إلى حل للمعضلة النووية، فإنها تبقى الحل الوحيد. إذ أنه وعلى الرغم من الطريق الطويل الذي تتطلبه لإنجاز أهدافها، فإن طريق العقوبات سيكون أطول وأصعب مقارنة بها. السياسة القائمة على العقوبات بشكل أساسي سيكون مصيرها الفشل، كما كانت حتى الآن، إذ من غير المرجّح أن تقوم الدول بتغيير سلوكها إذا لم تكن قد قررت ذلك بإرادتها. وعلى عكس الدبلوماسية، فإن العقوبات لديها تاريخ طويل وواضح من الفشل، ففي العام 1995 على سبيل المثال، وقبل أن يكون لدى إيران أي من مفاعلات التخصيب، فرض عليها العديد من العقوبات التجارية والعقوبات الاستثمارية لعرقلة نشاطاتها النووية، وبعد 15 سنة تقريبا، نستطيع أن نلاحظ أن برنامج إيران النووي دخل مرحلة متقدمة، والشيء الوحيد الذي تمت عرقلته هو الإيمان بالعقوبات كأداة فاعلة ومؤثّرة لحل المشكلة. ولا شك أن عددا قليلا فقط من إدارة أوباما يثقون بأن طريق العقوبات سيؤدي إلى حل المشكلة النووية، إذ من شان هذا الطريق أن يؤدي على الأرجح إلى مواجهة جديدة بين الولاياتالمتحدةوإيران، ولذلك فان من الأولى استنزاف الطريق الدبلوماسي إلى النهاية بغض النظر عن مدى صعوبة هذا الطريق والعقبات التي قد تعترضه. من هذا المنطلق، فإن التغيير الذي نؤمن به لا يمكن له يأتي من العقوبات التي لا نؤمن بها، علما أنّ قصر الدبلوماسية على مشكلة البرنامج النووي لوحده قد لا تنجح بدورها، ومن المطلوب لكي تكون أكثر نجاحا وفاعلية أن يتم توسيع برنامج التفاوض مع إيران إلى أمور أكثر أهمية من مسألة وقف تخصيب اليورانيوم، كالأمن الإقليمي والمناطق التي تشكل تحديا لأميركا، كالعراق وأفغانستان وحقوق الإنسان داخل إيران. فالحل لن يكون بتوسيع قاعدة العقوبات على إيران وإنما بتوسيع جدول الأعمال معها.