لقد خرج الفريقان المتأهلان لنهائي كأس العالم الأخير من الباب الضيق، فإيطاليا وفرنسا كغيرهما من دول أوروبا الغربية تعرف أزمات جادة منذ سنوات طويلة، ترجع بالأساس إلى نوع من التسابق الجامح نحو المال، من خلال القضاء على التكوين وتفضيل استيراد اللاعبين الأجانب، خصوصا الأمريكو لاتينيين الذين يتم تبادلهم في سوق كرة القدم بأسعار جد مرتفعة· ونادي مثل ''انتر ميلانو'' لا يملك من اللاعبين الدائمين إلا لاعبان إيطاليان، وهو نفس الشيء بالنسبة لأكبر التكوينات في أوروبا العجوز، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال تسيير أصحاب الأموال والصناعات لهذه المؤسسات التي دخلت البورصة· وقد أصبح اللاعبون مجرد سلعة بسيطة يمكن بيعها وشراؤها حسب الحاجة ومصالح النادي، وقد نتج عن ذلك ظهور ذهنية خاصة لدى اللاعبين تتمثل في التسابق لنيل أكبر قدر من المال· وينعكس هذا النظام التجاري على طريقة عمل هذه السلع التي تعامل بطريقة تخلو من الإنسانية، حيث تستغل وتستنفذ كل طاقات اللاعبين، ولا يخلو تصريح ''ريموند دومينيك '' مدرب الفريق الفرنسي، من الأسباب بعد استجوابه من طرف ''نيكولا أنيلكا''، حيث قام بفضح نظام كرة القدم الفرنسية، هذا التصريح الذي لم يتم التعامل معه بطريقة تحليلية من طرف الصحفيين· المال في قلب أعماق الارتجاجات التي مست بجميع الفرق الوطنية لأوروبا الغربية، وهذا ما يبرز من خلال الأزمات الداخلية التي عرفتها وما زالت تعرفها جميع التكوينات، مثل التي عاشها الفرنسيون، الذين ولسوء حظهم لم يسووا بعد مسألة الهوية، رافضين التخلص النهائي من الذهنية الاستعمارية التي ما زالت تلتصق بجلودهم، وما زال الفريق يشمئز من وجود لاعبين من أصول غير أصولهم وألوان غير ألوانهم، والواضح في الأمر أن ''قانون السكوت'' أصبح هو القاعدة التي يتقاسمها الطرفان· وقد انعكست الأزمات التي تعيشها هذه المؤسسات الأوروبية على كرة القدم الأوروبية التي تعيش نوعا من الأزمات الجادة والعميقة، حيث أصبحت سجينة اقتصاد افتراضي وخيالي، وتمويل مبالغ فيه للمؤثرات الاقتصادية، ولا يمكن اعتبار أن دومينيك وليبي وكابيلو مسؤولين عن هذه الوضعية المزرية التي تعيشها الفرق الوطنية الأوروبية، بل يجب البحث عن الأسباب الحقيقية لذلك· وليست دول أوروبا الغربية لوحدها هي التي تعيش لحظات صعبة ولكن كرة القدم الجزائرية أيضا تعيش نفس الوضع، فالرياضة في بلدنا اليوم توجد في وضعية باهتة، وليست مجموعة اللاعبين الأكفاء المكونين بالخارج من يمكنهم تغيير وضعية كرة القدم في بلادنا، ونحن نملك بطولة بائسة ونوادٍ تعاني من سوء التسيير مع تراجع الروح الرياضية· وفشل الفريق الوطني في كأس إفريقيا للأمم وكأس العالم يدعو إلى التفكير في المسؤولين عن ذلك بمن فيهم رئيس ''الفاف'' ووزير الشباب والرياضة، الذي اعتقد أنه بالإمكان إحداث تغييرات في الرياضة الجزائرية بالمال، وتحويل اللاعبين إلى مجموعة من الفائزين مثلما كان الحال بالنسبة لسنة 1982 وبالإمكانيات الضرورية المحدودة التي كانت بيد الفريق الوطني آنذاك وهي الإمكانيات التي لم تمنعهم من الوصول إلى الدور ربع النهائي· وقد كثر الحديث مؤخرا عن الاحترافية دون النظر إلى حالة أماكن الممارسة الرياضية وممارسة كرة القدم، وسيكون من الجيد البدء في التساؤل حول كل التجارب الممكنة بما فيها التي كانت في السبعينيات دون السقوط في التقليد السهل، ويمكن التساؤل هل يمكننا الوصول إلى مشروع متداخل؟