قرأت تعليقا في جريدة يومية سخر فيه كاتبه من الصحافي الذي علق على مباراة الجزائرإنجلترا في ''اليتيمة'' وقال أنه ''ربما كان يأكل البيض وهو يعلق''، وقد استفزني هذا التوصيف واعتبرته قبيحا وسمجا ولا طعم له· لكن الحقيقة أن التعليق قواعد وعلم وموهبة وفن، وليس شيئا من الفوضى وشيئا من الضجيج، والمعلق الذي يفتقد أحد هذه العوامل يصبح مثل البطة يمشي أعرجا، فهو يجب أن يكون ملما بقوانين الكرة، والتفاصيل الخاصة بالمدربين واللاعبين، وأن يكون مثقفا ويملك صوتا قويا، ويستحسن أن تكون في صوته بحّة، وأن يعرف متى يعلق ومتى يصمت، لا أن يرغي ويزبد طيلة المباراة، وكنت أقول لنفسي، وأنا أشاهد المباريات على التلفزيون، لماذا ينقل لنا هؤلاء المعلقون ما يجري في الميدان ونحن نشاهد المباراة مثلهم، فنحن نننظر منهم أن يتكلموا عن الأشياء التي لا نفهمها، فيشرحوها لنا، ويحللون خطط المدربين ونقاط القوة والضعفئ عند الفريقين، وينقلون للمشاهد معلومات وتفاصيل خاصة يكونون قد جمعوها من قبل، عن طريق مصادرهم الخاصة أو عن طريق الإنترنيت، بدلا من القول طيلة المباراة أن فلان قذف الكرة أو اللاعب فلان أخطأ ضربة الجزاء، أو أن الحارس ارتمى وأخرج كرة خطيرة وحولها الى ركنية، أو أن الحكم صفّر ضربة جزاء وأن مساعده رفع راية التسلل ·· وغيرها من التعاليق، وهي تفاصيل تجري أمام أعيننا ولسنا بحاجة إلى من ينقلها لنا بطريقة فيها من الضجيج أكثر مما فيها من التحليل، وما زلت أعتقد بأن هذه الطريقة في التعليق خاصة بالراديو حيث نسمع فقط ولا نرى، وليست خاصة بالتلفزيون حيث نسمع كل شيء ونرى كل شيء وبالتفصيل الممل، وتذكرت كيف كان المعلق المشهور محمد صلاح يعلق على مباريات المنتخب في الراديو، فيبالغ في الوصف ويجعلنا ملتصقين بالمذياع، وكيف كان المعلق اللذيذ بن يوسف وعدية يعلق على مبارايات المنتخب في التلفزيون بهدوء ورزانة وسلاسة، وكان يقدم لنا تفاصيل ومعلومات تدهشنا رغم عدم وجود الإنترنيت، وكانا يمتّعان ويستمتعان، حسب التعبير الشائع المنسوب إلى الشيخ رابح سعدان· لكن رغمذلك يبقى التعليق شيئا متميزا مثل الألوان والأذواق لا نتجادل فيهما أو نتناقش، وقد ضحكت عندما استمعت إلى معلق ''الجزيرة'' المشهور حفيظ دراجي وهو يقول ''إيليا ·· إيليا '' أو ''إيليي ·· إيليي'' عندما اقترب المنتخب الجزائري من تسجيل الهدف، ضحكت لأن لا أحد في الوطن العربي يعرف ''إيليي'' هذه وماذا تعني، ولا دراجي نفسه يعرف ''أصلها وفصلها''، رغم أن الجمهور ما زال يرددها إلى غاية الآن، وقلت لنفسي، إن جزائريته هي التي تكلمت فيه رغم أنفه وليس بإرادته، وربما حنّ إلى الأيام التي كان فيها لاعبا أو مناصرا مع الجمهور لفريقه المفضل، وقد شاهدت مباراة فرنسا وجنوب إفريقيا على قناة فرنسية، وكنت معجبا بالتعليق لعدم وجود الضجيج فيه وتركيزه على التحليل وتقديم المعلومات، لكن صديقا لي كان يشاهد المباراة معي، أقلقته الطريقة الباردة للمعلقين، وقال لي أنهما يشبهان معلقي ''اليتيمة''، وأن حفيظ دراجي أحسن منهم جميعا· ولا أعرف لماذا يفضل غالبية الجزائريين حفيظ دراجي على غيره من المعلقين في القناة الجزائرية وفي القنوات الأخرى، ربما بسبب حيويته أو صوته القوي، وربما لسب آخر لا أعرفه· وحسب رأيي، يفضل غالبية الجزائريين مشاهدة المباريات على قناة ''الجزيرة''، حتى يستمتعون بأصوات حفيظ دراجي وعصام الشوالي والمعلق المصري علي محمد علي، فهو، والحق يقال، يتميز بهدوء ولا يعلق بطريقة الضجيج، وفي صوته بحة جميلة تشبه بحة المغنية العذبة ·· شيرين عبد الوهاب·