رئيس الفدرالية الفرنسية لكرة القدم استقال بعد المردود الضئيل لفريقه الوطني، وهذا التصرف عادي جدا في البلدان الديمقراطية، حيث يعيد كل شخص الحسابات حول تسييره، وهذا هو العكس تماما في الدول ''أوتوقراطية'' التي يفرض فيها المسيرون سلطتهم أمام مجتمع كامن، والفرق هنا في الحجم· فهل يمكننا أن نتخيل أن أحد مسيري كرة القدم في الكوت ديفوار أو الجزائر أو الكاميرون يمكن أن يقدم استقالته بعد الفشل الذي لحق بفريقه بجنوب إفريقيا؟ هذا الشيء بعيد الاحتمال، فهذه الوضعية الكارثية هي نتيجة فشل جاد على مستوى التسيير العام للبلد الذي يقع بين المطرقة والسندان، حيث الفساد أصبح المساحة المشتركة التي تديرها قوانين القرارات المتسلطة· لقد خرجت إفريقيا بحالة سيئة بعد إقصاء خمسة فرق وطنية من الدور الأول لمنافسات كأس العالم، وقد أعطت انطباعا عن كرة قدم ضعيفة المستوى، خالية من الإنجازات الجماعية والاستراتيجية الواضحة والمتماسكة، التي تبرز في صورة تسيير البلاد بممارسات متسلطة كوسيلة للحكم· هناك فرق لا تعرف التدريب الجماعي، وتعتمد فقط على المجهودات الفردية ونظام قبلي قديم، ولو كان بتسيير أفضل من هذا، لتفادت خروجها من الدور الأول مثل ما فعلت غانا التي كسبت الرهان بالرغم من غياب كبار لاعبيها، وتمكنت من احتلال مكانة رائعة في كأس إفريقيا للأمم ووصلت إلى الدور ربع النهائي، وننتظر منها ما هو أحسن· صحيح أن غانا عرفت منذ مغادرة جيري راولينغس سنة 2000 العديد من التغييرات والتحولات الجذرية على مستوى تسيير المجتمع، وهذه الطريقة في تجسيد الديمقراطية يمكن إدراك وجودها منذ زمن بعيد· أتذكر زمن راولينغس، حيث كان الفريق الغاني يصنع ألقابه، وقد كتبت سنة 1983 في إحدى الجرائد الأسبوعية الباريسية بأن ''هذا البلد في مفترق طريق ديمقراطي في مرحلة البناء''، وهذه الحالة تشبه تماما الحالة التي تعيشها اليوم، بعد الانتخابات الرئاسية التي كانت حرة بشهادة الملاحظين الدوليين الذين تواجدوا بأكرا· كرة القدم هي انعكاس لهذه الحيوية السياسية في البلد الذي أصبحت فيه نسبة النمو تتجاوز 6 بالمئة، بعملة نقدية يعادل فيها 1 سدي دولارا. ومن جهة أخرى، فإن اللعب الجماعي للنجوم السوداء، كما يلقب أبطال الفريق الغاني، هو تعبير عن هذه الوضعية وعن سياسة رياضية تشجع تكوين الشباب، كما تشجع روح اللعب الجماعي، وهي الصفات التي لا نجدها في فريق نيجيريا المعروف بكثرة الأزمات، وهذا ما يجعل منه فريقا وطنيا هشا يبرق بالنجوم، لكن الفردية تفرض نفسها على اللاعبين على غرار تاي تايوو وأوبافومي مارتنس وديكسون ايتوهو· العديد من المدارس الرياضية في بلد أبيدي بيلي عملت جاهدة من أجل إنشاء فريق من الشباب الذي توج بالعديد من الألقاب في الألعاب الأولمبية والبطولة العالمية لفئة الشباب· الفوضى والأزمات الداخلية أثرت في الفرق الوطنية الإفريقية بعد أن وضعت نفسها في أفخاخ نجومها مثل دروغبا أو إيتو بالنسبة للكوت ديفوار والكاميرون، وهذا ما يعكس منطقيا مميزات التسيير المضطرب لهذه المجتمعات، وهذا ما يظهر أيضا من خلال التصرفات غير المتخلقة وقلة الاحترام لدى بعض اللاعبين والتي تنعكس على جميع الفرق الوطنية الإفريقية، وتظهر غانا الآن وكأنها تحاول أن تخرج نفسها من الفرق الوطنية الإفريقية الأخرى· لقد ذهب اسكاليت، وليبي اعترف بأخطائه، واريكسون غادر وحمل نفسه مسؤولية الفشل، لكننا في الجزائر مازلنا نتماطل بالرغم من الهزيمة، ونحن نحاول إقناع أنفسنا بالنجاح من خلال التعادل السلبي مع الفريق الإنجليزي الذي أتى بهزيمة نكراء في مقابلته مع الفريق الألماني الذي هزمه الفريق الوطني الجزائري سنة 1982 وتم الاحتفال بهذه المناسبة· رياض بودبوز وصف جيدا كيف كان الفريق الوطني مخيبا لآمال مناصريه، بالرغم من أن راوراوة وسعدان لم يعترفا لحد الآن بمسؤولياتهما في هذا الفشل، فإعادة الحسابات حول ما قدم من طرف المسيرين ليست من عادات الجزائريين·