لقد كان مونديال جنوب إفريقيا محفزا ومميزا لظهور العديد من الظواهر الفردية التي ميزت عالم كرة القدم، كما ساهم ضعف الفرق الوطنية لأكبر الدول الغربية في إبراز العلاقة التي تربط عالم كرة القدم ونواديها بفضاء المالية والاقتصاد· يمكن اعتبار أكبر نوادي كرة القدم كشركة متعددة الجنسيات، خصوصا فيما يتعلق بلاعبي أمريكا الجنوبية والدول الإفريقية إلى جانب العديد من اللاعبين من مختلف الحدود الأوروبية· فالعديد من أحسن الرياضيين الفرنسيين يمكن أن نجدهم ضمن النوادي الصغيرة والكبيرة لإسبانيا وإيطاليا وألمانيا، وحتى الأمريكيون والأستراليون واليابانيون ولاعبون من كوريا الجنوبية ونيوزلندا كلهم ينشطون في الدول الأوروبية· صحيح أن اللاعبين الأمريكولاتينيين خصوصا، هم من يسيّرون البطولات الوطنية للدول الأوروبية، إلى حد أننا نجد منتخبات وطنية مكونة من لاعبين محليين وكذا لاعبين أجانب من نوادٍ عالمية، وهذا الجمع بين هؤلاء اللاعبين في هذه الفرق الوطنية يخضع لمنطق الجمع بين مختلف الجنسيات والتفتح على مختلف الحدود، مع بقاء الغموض على العلاقات بين الشمال والجنوب· فوحدها كرة القدم الحديثة من تمكنت من كسر الحدود، من خلال توظيف أكبر اللاعبين من الكرة الأرضية، والذين يمكن اعتبارهم مجرد سلعة في منطق الخطاب الرأسمالي· ونجد بأن اللاعبين الأجانب هم المفضلون لدى الأجانب، فليست هناك حدود، منذ أن كان الرئيس ''بومان'' موجودا وحتى في الفترة التي تلته، سعت العديد من النوادي إلى كسر جميع الحواجز التي تقف أمام توظيف هؤلاء الأجانب، وهذا ما يخدم هؤلاء اللاعبين الأمريكولاتينيين وبلدانهم، التي تملك في معظم الأحيان بطولات جد تنافسية تنظم خارج أوروبا· إذا كانت فكرة ''الأمة'' التي تملك تعريفا جد مترهل، والنظريات المختلفة والمتعددة التي لها وقع قوي في أمريكا الجنوبية، فإن الحدود الوطنية في أوروبا بدأت تتلاشى، إلا أنها بطبيعة الحال، تبقى دائما في قلوب المناصرين وحتى المسيرين رمزا وطنيا مربوطا بالثقافة والمصالح الاقتصادية الوطنية· هذا الغموض على مستوى التصوير الأوروبي موجود أيضا في أنظمة كرة القدم، وهو يكشف عن فرق وطنية لديها علاقات جد متواضعة مع البطولات التي تتميز بالحضور الدائم للأجانب في الأندية الدولية· ما الذي تمثله أندية مثل مانشستر يونايتد وريال مدريد وأف سي برشلونة وشيلسي أو ميلان أسي؟ فالريال اليوم مختلف عما كان عليه سنوات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، على مستوى الرمزية الوطنية والسوسيولوجية، فرولاندو وكاكا اللذان يعبران عن منطق ''الماركانتينية'' لا علاقة لهما بلاعبي سنوات 05 و06 مثل دي ستيفانو أو الهانغاري بيسكاس· فكرة القدم اليوم أصبحت عالمية، وهذا ما يفسر وجود مناصري المنتخبات في كل بقاع العالم، وهذا ما يعطي أكثر مصداقية لإشكالية تواجد أندية متناقضة في كونها دولية أو وطنية· ولكن بالرغم من هذا البعد الدولي الذي يعطى لهذه الأندية متعددة الجنسيات، إلا أن المواجهات الداخلية تبقى ميزة هذه الأندية بسبب معارضي النظام الجغرافي والإيديولوجي والاجتماعي، كما يمكن ملاحظة التناقضات في كرة القدم من خلال مقابلات ''الريال'' مع برشلونة وميلان أسي، مع ''باليرم'' أو ''نابل'' التي تتميز بصبغة سياسية وجهوية وثقافية خاصة· فحقيقة كرة القدم جد معقدة لاحتوائها على العديد من التناقضات الاجتماعية، وكرة القدم، هي المساحة الأمثل لتواجد كل التناقضات والغموضات، فالنادي لديه مناصريه الذين ينتمون إلى منطقة محددة، لكنه يعمل كهيئة عابرة للأقطار خصوصا في فضاءاتها الاقتصادية والتجارية وكذا عبر التلفزيون ومختلف وسائل الإعلام·