في مقال بعنوان ''صفقة جديدة للعولمة''، نشرته مجلة ''فورين أفيرز'' التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في عددها لشهري جويلية وأوت، كتب أستاذان جامعيان للعلوم السياسية والاقتصاد، لا علاقة سابقة أو لاحقة لهما بالشيوعية أو الاشتراكية، بل كان أحدهما مستشارا اقتصاديا للبيت الأبيض يدعوان إلى ''إعادة توزيع الدخل''· هذه دعوة شيوعية - اشتراكية بالتأكيد - كشرط لوقف الانكفاء المتسارع الحالي في الولاياتالمتحدة إلى ''الحمائية'' بدل العولمة التي زجت واشنطن العالم فيها لأمركته من أجل حماية إنتاجها الوطني، وحث الكاتبان على وضع الأسس ل ''صفقة جديدة للعولمة'' من أجل ''إنقاذها'' تعتمد أساسا على إعادة توزيع الدخل على أسس أكثر مساواة بين الناس· ففي الولاياتالمتحدة ''انعدام المساواة الآن أكبر منه في أي وقت آخر خلال السبعين عاما الماضية· ومهما كان السبب، كانت النتيجة اندفاعا نحو الحمائية· ومن أجل إنقاذ العولمة يجب على صناع السياسات نشر مكاسبها على نطاق أوسع· والطريقة الأفضل لعمل ذلك هي إعادة توزيع الدخل''، كما كتب كنيث ف· شيف أستاذ العلوم السياسية بجامعة ييل وماثيو ج· سلوتر أستاذ الاقتصاد الذي خدم في مجلس المستشارين الاقتصاديين للبيت الأبيض ثلاث سنوات حتى عام .2007 إن الولاياتالمتحدة اليوم، من حيث الدخل والثروة، كما كتب غودفري هودجسون في ''أوبن ديموكراسي'' في السادس عشر من الشهر الجاري، ''هي البلد الأكثر عدم مساواة في العالم·· والفجوة بين الثروة والفقر أعلى منها في أي مكان آخر وهي تتسع بثبات''، ليحذر الكاتب من أن ''الحلم الامريكي'' يكاد ينهار لأنه بالرغم من أن إعلان الاستقلال الأمريكي ينص على أن كل البشر قد خلقوا متساوين، فإن الآباء المؤسسين الذين كتبوه لبلادهم كانوا يقررون مبدأ طبيعيا للحقوق ''أكثر من التفكير في مساواة اقتصادية مطلقة أو حتى نسبية''، بينما كان الحلم بهذه المساواة في الفرص الاقتصادية هو ''الحلم الأمريكي'' الذي يتغنى به القادة الأمريكيون للعولمة· لذلك فإن ملايين الأمريكيين الذين ألقت بهم أزمة العولمة الاقتصادية العالمية التي ما زالت آثارها تتفاعل عالميا، ممن يعيشون بالملموس اليومي تفاقم انعدام المساواة - الموجود أصلا في صلب نظامهم الرأسمالي - بسبب العولمة، لن يكونوا معنيين، مثلهم مثل ما يزيد على مليار إنسان في العالم كانوا ضحية لهذه العولمة، ب ''إنقاذ'' العولمة الذي دعا إليه شيف وسلوتر، لكنهم بالتأكيد سيكونون معنيين تماما بإعادة توزيع الدخل بالعولمة أو دونها· فانعدام المساواة لم يعد سمة يتميز بها المركز الأمريكي للعولمة بل هو ظاهرة عالمية اليوم· على سبيل المثال، قال تقرير لمجموعة بوسطن للاستشارات ''أ'' آخر الشهر الماضي إن أقل من واحد في المئة من الأسر في العالم هي أسر ''مليونيرية''، لكنها تملك حوالي''38 %'' من ثروة العالم وإن عدد هذه الأسر قد ارتفع بنسبة ''% 14'' إلى ''2,''11 مليون أسرة عام 2009 بالمقارنة مع العام الذي سبقه، منها ''7,''4 مليون أسرة في الولاياتالمتحدة التي تحتل المرتبة الأولى عالميا تليها اليابان والصين والمملكة المتحدة وألمانيا على التوالي· وحسب التقرير، كانت الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة ثلاث دول عربية من بين أكثر ست دول في العالم ''كثافة'' في الأسر المليونيرية· وحظيت العولمة في الوطن العربي باهتمام المفكرين والسياسيين على حد سواء· فالمفكر العربي الراحل د· محمد عابد الجابري في كتابات له أكد انعدام المساواة كواحد من أهم سمات العولمة، وبيّن كيف أن ''تعميم الفقر'' هو ''نتيجة حتمية'' لها، وكذلك ''التفاوت'' بين الدول والتفاوت ''داخل الدولة الواحدة'' هو من نتائجها ''المباشرة'' ومما كتبه في هذا الشأن: وربما حان الوقت أيضا لكي ترتفع أصوات الأكاديميين والسياسيين وغيرهم من النخب الطامحة إلى تغيير جذري يقود إلى مجتمعات عربية أكثر مساواة وعدلا، وبالتالي أكثر أمنا واستقرارا وتنمية وديمقراطية، للمطالبة الصريحة بإعادة توزيع الدخل بين دول التجزئة العربية من جهة وفي كل دولة منها من جهة أخرى، فهذا هو الطريق إلى الخلاص الوطني والقومي والديمقراطي· غير أن الظاهرة اللافتة للنظر أن ''تعميم الفقر'' المفترض فيه أن يوحد الفقراء لم يوحدهم لا بين العرب ولا بين غيرهم من الشعوب والأمم، إذ لا شيء يفرقهم مثلما يفرق الغنى بين الأغنياء بسبب تنافسهم على المزيد من الإثراء كون ''المنافسة'' هي جزء لا يتجزأ من النظام الرأسمالي الذي نشأوا في أحضانه ومن العولمة التي تزيدهم ثروة وعددا·