العمل الفني السينمائي البديع، الذي استعاد أحداث الثورة التحريرية الجزائرية؛ أغاظ عواجيز الحقبة الاستعمارية الفرنسية، واستفز أسلاف العملاء الذين أُطلق عليهم اسم ''الحركيين'' وهم الجزائريون الذين انضموا لصفوف المستعمر ضد جبهة التحرير الوطني· وفي الحقيقة يجدر التنويه إلى هذا الفيلم المؤثر، في خضم طوفان الغث والتافه من الأعمال الفارغة، للسينما وللتلفزة، وبالنظر إلى معالجات القضايا، بسطحية وسماجة على طريقة ''السفارة في العمارة''· ففيلم ''الخارجون عن القانون'' وإن كان يتناول أحداثاً مر عليها أكثر من ستين عاماً؛ أثار جدلاً على نطاق واسع، وهز فرنسا بقوة معالجته لأحداث الحقبة التي يتناولها، إذ تبدت فيها على نحو مثير، مجزرة سطيف في الثامن من أيار (مايو) 1945 التي راح ضحيتها نحو 02 ألف جزائري· فقد أعرب بعض الفرنسيين الذين ورثوا عن آبائهم وأجدادهم حنيناً غير مشروع إلى جزائر فرنسية؛ عن انزعاجهم من تمويل الدولة الفرنسية لجزء من تكلفة إنتاج الشريط السينمائي التي بلغت 12 مليون يورو· وكان جرى تصوير جزء كبير من الفيلم في مدينة ''بن عروس'' في تونس، حيث أقيم مجسم ديكوري كبير لمدينة سطيفالجزائرية استناداً إلى صور المدينة في منتصف الأربعينيات! -الخارجون عن القانون- هو الوصف الذي أطلقته السلطات الفرنسية على ثوار الجزائر، وقد اختير هذا الوصف لكي يصبح عنواناً للشريط الذي أخرجه رشيد بوشارب، الذي بات متخصصاً في التأريخ السينمائي لمراحل الكفاح الجزائري· ومع بدء عرض الفيلم (وهو من إنتاج جزائري بلجيكي فرنسي مشترك) في مهرجان ''كان'' السينمائي، تحولت بوابات القاعات إلى نقاط تفتيش خشية وقوع عمل إرهابي بأيدي متطرفين فرنسيين· غير أن مستنيري فرنسا ومثقفيها الموضوعيين، دافعوا عن الفيلم، ثم اندلعت واحدة من موجات النقاش والجدل التاريخي والإيديولوجي عبر وسائل الإعلام (ومثل هذه الجدالات، من أحب الهوايات إلى الفرنسيين) وتساءل أحد النقاد: لماذا عندما تُنجز فرنسا فيلماً عن ألمانيا النازية، يُصفق الجميع ويشجع ويؤيد، غير أن الأمر يختلف أو ينقلب مئة في المئة، عندما تصبح فرنسا، في حقبة من تاريخها، في صف المتهمين؟ مغزى الضجة التي أحدثها الفيلم، تعكس حقيقة لا مراء فيها، وهي أن الجريمة تلاحق مقترفيها حتى بعد مماتهم، وأن القتلة والمتطرفين والمستهترين بحقوق الناس في أوطانهم، يصبحون عاجلاً أم آجلاً عبئاً على تراث أممهم، بل يصبحون بعد أن يحسم التاريخ الأمر، لصالح أصحاب الحق والضحايا، عاراً على بلدانهم، مهما استحوذت عليه هذه البلدان من المدنية والحضارة ومن قيم الحرية· فعلى إثر فيلم سينمائي، يتناول مجزرة واحدة اقترفها مستعمرون متطرفون؛ تقف فرنسا على قدم واحدة، وتؤيد الأغلبية، حق الجزائريين من أسلاف الضحايا في الإعراب عن مظلمتهم، ويطلب الرئيس ساركوزي مشاهدة الفيلم، ولعله أحس بعد العرض في ''الإليزيه'' أن من الصعوبة بمكان، طي تاريخ الفترة الاستعمارية دون اعتذار· وهذه نقطة ما تزال موضع خلاف جزائري فرنسي· ثم إن اختيار عبارة استعمارية مجحفة، استخدمت في وصف المناضلين من أجل الحرية، يرسل مغزى عميق السخرية من التوصيفات الاعتباطية التي دأب المحتلون والاستعماريون على إلصاقها بالمناضلين· فالخارجون عن كل قانون، هم الذين يسفكون دماء الشعوب ويجثمون على صدورها، ويتطفلون على أوطانها، ويخنقون حياتها ويقيدون حريتها· الظلاميون الفرنسيون القدامى، باتوا في عداد الأموات· فلم يتبق منهم سوى حفنة من عواجيز مصابين بأمراض الشيخوخة، يحاولون إحياء مشاعر الحنين إلى ''جزائر فرنسية'' لكن غالبية الفرنسيين تشعر بالعار من التاريخ الاستعماري· ربما حفنة العواجيز تستأنس بظاهرة التأثير الراهن للمتطرفين الجدد في فلسطين وسواها· فهؤلاء، يثرثرون طويلاً كلما جاء الحديث عن الفظاعات النازية، وفي الوقت نفسه، يتمسكون بذات المنطق الظلامي المتطرف، الذي دفع إلى اقتراف كل الفظاعات في التاريخ· وهؤلاء، لا مستقبل لهم، لأن تأثيرهم في مجرى التاريخ الإنساني، أضعف بكثير، من تأثير فيلم يخرجه رشيد بوشارب.