لقد لعب الشهيد رفيق الحريري دورا في لبنان حيا وميتا، فمند معركة الاستقلال حيا شارك في صياغة اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية وقاد أكبر عملية إعمار في البلاد، وميتا لقد تسبب اغتياله في إخراج القوات السورية من لبنان بعد 30 عاما من الوجود هناك، وغير خريطة القوى السياسية بعودة العماد ميشال عون من منفاه وخروج سمير جعجع من سجنه وتشكيل أوسع تحالف يحصل على أكبر أغلبية نيابية في تاريخ لبنان، وفي ضوء ما بدأ يكتشف من جريمة العصر لقد قيل بعد اغتياله أن الزلزال الذي ضرب لبنان تجاوز حدود البلد الصغير إلى محيطه، إنه زلزال عربي أيضا، وأنه لن يمضي وقت طويل إلا وستفتح ملفات جرائم أخرى كثيرة في لبنان وخارجه، وقد اعتقد الذين اغتالوا رفيق الحريري أن الشعب اللبناني سينسى الموضوع برمته، وأن المسألة مسألة وقت فقط، ألم يقتل كمال جنبلاط عام 1977 ولم يحصل شيء؟ ألم ينسف بشير الجميل ومن معه ويدمر المكان الذي كانوا فيه على رؤوسهم دون أن يوجد من يريد مجرد الاعتراض على ما حدث؟ هل هناك من أراد حتى مجرد التحقيق في اغتيال الرئيس رينيه معوض أو في قضية استشهاد المفتي اللبناني، حسن خالد وكثيرون غيرهم.. لقد تغير لبنان وتغيرت المنطقة، فاغتيال رفيق الحريري ليس مجرد حدث عابر بل كان نقطة تحول على الصعيد الإقليمي والدليل هناك سلسلة من القرارات الدولية التي أصدرها مجلس الأمن حول لبنان وسوريا بدء بالقرار 1559 مرورا بالقرارات 1595 و1636 وصولا إلى القرار ,1644 وهو أمر لم يحدث في تاريخ المنظمة الدولية أن يجتمع مجلس الأمن بشكل منتظم كل فترة لمتابعة قضية اغتيال وإصدار القرارات المتتابعة بشأنها. وعلى الصعيد الداخلي المستفيد الوحيد هو الطائفة السنية حيث امتدت عبر مناطق مختلفة وحظيت بتأييد قطاعات واسعة في أوساط الطوائف الأخرى، كما أن هذه الطائفة شهدت أيام الراحل رفيق الحريري وحدة إمتد نفوذها إلى منطاق كثيرة، ومع ديناميكية حزبية وسياسية واسعة ومتنوعة إتسمت طوال العقود الماضية بطابعها العربي الإسلامي مع أن هذه الطائفة ذات امتداد عربي وإسلامي واسع حقق لها توازنا داخليا وحماية طبيعية خلافا للطوائف الأخرى. والشهيد رفيق الحريري لم يأت إلى عالم الزعامة السياسية من البوابة الحزبية بل من بوابتي الاقتصاد والسلم الأهلي ومن البوابة الإقليمية بعد اتفاق الطائف، فقد بدأ صيته يعلو في الأوساط اللبنانية المختلفة في مطلع الثمانينيات بسبب المنح الدراسية في لبنان والخارج التي قدمتها مؤسسة الحريري لآلاف الطلاب من مناطق مختلفة ومن طوائف مختلفة، أما ظهوره الرسمي في لبنان على المسرح السياسي فكان مع إعلان انتهاء الحرب الأهلية من مدينة الطائف، وكان الحريري أحد أبرز شخصية في ذلك الإتفاق عام 1989 الذي أصبح دستور البلاد الجديد وفيه تعززت صلاحيات رئيس مجلس الوزراء على حساب رئيس الجمهورية، ومنذ ذلك الاتفاق إلى لحظة اغتياله تولى الحريري رئاسة معظم الحكومات في لبنان، وإليه يعود الفضل في إعادة إعمار وسط بيروت الذي لم يسلم من انتقادات حادة من الكثير من معارضيه، وقد حصل الحريري على الجنسية السعودية عام 1978 وأصبح مبعوثا لها في لبنان آنذاك، وقد تولى منصب رئيس الوزارء طوال الفترة التي تلت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990 وذلك خلال الفترة من عام 1992 إلى عام ،1998 ومن عام 2000 إلى عام 2004 عندما استقال من منصبه بعد تصاعد الخلاف بينه وبين الرئيس إميل لحود. وعلى المستوى الشعبي كان الحريري بمثابة الرجل الذي يحمل كلمة السر في فتح الأبواب أمام تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات العربية والأجنبية وتشجيع دول الخليج والولايات المتحدةالأمريكية وأوروبا على المشاركة الفورية في إعادة إعمار ما دمرته الحرب الأهلية في لبنان والتي بلغت تكلفتها آنذاك أكثر من ثلاثة مليارات دولار، هذا وأدى زلزال اغتيال الحريري إلى تحقيق ما فشل اللبنانيون في تنفيذه منذ فترات طويلة وعلى رأسها إجبار القوات السورية على الخروج من جميع المناطق اللبنانية، وربما سيظل شبح اغتيال الحريري يطارد النظام السوري من خلال القرارات الدولية المختلفة والضغوط الأمريكية والفرنسية، وسواء كانت سوريا لها علاقة بالحادث أم لا، فإنها في كل الأحوال ستدفع الثمن في لبنان والعراق وفلسطين، وستتم الصفقة إن عاجلا أو آجلا إن لم يكن هناك طارئ جديد، وقد يكون ضرب إسرائيل للمراكز النووية الإيرانية.