''ماذا لو نهضنا صباحا ولم نجد الشمس؟ هل ننكفئ على ذواتنا ونجلدها بسياط اللوم والتقريع؟ هل نحتمي بالخرافة لاذين خلف جدرانها السميكة؟ هل نقف بمواجهة أنفسنا لنكاشفها ونكون صريحين معها؟...''، وغيرها من التساؤلات التي طرحت على خشبة مسرح قصر الثقافة، أول أمس، خلال عرض مسرحية ''ذات صباح معتم'' للمخرج طالب كحيلان الشحري من سلطنة عمان، ضمن فعاليات مهرجان الجزائر الدولي للمسرح في طبعته الثانية. تصور مسرحية ''ذات صباح معتم'' للمخرج طالب كحيلان الشحري'' وتأليف الكاتب العراقي عبد الرزاق الربيعي، الذي صدر نصه هذا في كتاب حمل عنوان ''الصعاليك يصطادون النجوم''، في العرض الذي يتخلله عزف حي على آلة الساكسفون ورقصات جماعية وإبهار بصري، حكاية مدينة غير محددة بزمان ومكان لفتح فضاء للتأويل، حيث يصحو سكانها فيجدون شمسهم غائبة ذات صباح ليسود الظلام والهرج والفوضى حياتها، بدل الأمن والسلام اللذين كانا يسودان تلك المدينة الآمنة، حتى يأتي عرّاف ليقول لهم بأن بينكم من أخطأ، فأغضب الشمس وحلت اللعنة على الجميع، وللتكفير عن ذلك ينبغي اعترافه بالخطأ أمام الجميع لتعود الشمس لسابق عهدها وهكذا تتصاعد الأحداث ليتم الكشف عن الكثير من الخبايا والأسرار التي كان يكتنفها الغموض عند بداية العرض. ويتضمن هذا العرض مضامين عدة تنطوي على عدد من الأبعاد الفلسفية التي ترمز إلى غياب قرص الشمس، نتيجة ضياع الضمير الإنساني، وهكذا نجد أنفسنا أمام تساؤل كبير، وهو كيف يستطيع الناس التصرف في ظل غياب الشمس؟، وتتكشف الأحداث عندما يشعر الجميع بالاعتراف بعقدة الذنب، لتتوالى الأحداث لنتفاجأ بظهور أكثر من شخصية تمثل تيارا فكريا، حيث برزت شخصية ''الشيخ'' الذي يدعو الناس إلى الحق وعدم ارتكاب الرذيلة، كما يدعوهم إلى الاعتراف بالخطايا كنوع من تطهير الذات، لذا فإن في ذلك اليوم يجتمع الناس ويبدأ كل واحد منهم في سرد قصة ارتكابه للخطأ، على أمل يكون ذلك الاعتراف بمثابة تطهير الذات البشرية، كما شكل غياب الشمس مناسبة تخفي وراءها عددا من الشخصيات، منها اللصوص الذين يتسللون خفية في جنح الليل مستغلين ظلامه الحالك بغية القيام بالسرقة، فيما يستغل رجال الأعمال غياب الشمس لتحقيق مآربهم التجارية مثل إقامة الملاهي الليلية، ثم يطلب الشيخ من أهالي المدينة أن يعترفوا بخطاياهم، وهكذا تستمر الشخصيات في الدوران في حلقات الحدث المتوالية في سرد تفاصيل الخطايا التي ارتكبها أهالي المدينة، التي ربما كانت من أسباب أفول نجم الشمس وضياع ضمير الإنسانية. وقد تم وضع سينوغرافيا خاصة بهذا العمل لتشكيل الأجواء التي ترتبط بالظلام، وقد صور الديكور العام للعرض المسرحي مدينة تغلب عليها الألوان الداكنة التي تعكس معاناة الناس نتيجة سيادة ظلام الليل الحالك في عز النهار، مع استخدام قناديل مضيئة بغية إعطاء جمالية للعرض، وأعطته توهجا أضاء الزوايا المعتمة عند غياب قرص الشمس، في حين جاء استخدام الدخان للإيحاء بضبابية المواقف الدرامية. للإشارة، فإن العرض من بطولة الفنان هشام اليافعي وسميرة الوهيبي وطالب الشحري والعاص المشيخي وشامس نصيب وعمار المشيخي وعبد العزيز الشحري ومطران عوض، وهي الفرقة التي يترأسها محمد المهندس، وتعتبر فرقة ظفار المسرحية من أبرز الفرق في سلطنة عمان وقد تأسست سنة ,2000 ومن بين أهم أعمالها نذكر ''مسرحية العروس'' ومسرحية ''القلم والبندقية'' و''ستار على الهواء'' و''الهامور'' وغيرها من الأعمال المسرحية العديدة.