''سأروي للقراء الكرام وقائع الجريمة الإسرائيلية كما عشتها دقيقة بدقيقة''، هكذا يعد مؤلف الكتاب قارئه في المقدمة، وهكذا يبدو أفق التلقي منذ الصفحات الأولى للكتاب، الأول من نوعه الذي يستعيد ذلك الكم الهائل من التفاصيل في واحدة من أهم القضايا التي شغلت الإعلام الدولي كثيرا هذه السنة. لعل أهم قيمة لهذا الكتاب الصادر حديثا عن ''منشورات سقراط'' بالجزائر، هي تلك التفاصيل الدقيقة التي نقلها الصحفي بأمانة مطلقة، رغم أن السلطات الإسرائيلية صادرت كل ممتلكاته بما فيها جهاز الكومبيوتر الذي يكتب عليه، وحتى الدفتر الذي كان يسجل عليه ''مفاتيح'' ملاحظاته. ومن هنا انطلق يكتب من الذاكرة مباشرة، وكان ذلك أكبر تحدٍ واجهه، كيف يكون وفيا لتلك التفاصيل الدقيقة التي قد تخونها الذاكرة في بعض الأحيان. على مدى 220 صفحة من القطع المتوسط، نتابع تفاصيل تلك الرحلة التي بدأت من الجزائر العاصمة إلى تركيا، ثم انطلقت بحريا نحو قطاع غزة المحاصر، ولم يكن أحد يتوقع أن تجبر القافلة البحرية بالقوة العسكرية على دخول الأراضي الإسرائيلية بدءا من ميناء إسدود غير بعيد عن تل أبيب، وصولا إلى معتقل بئر السبع بصحراء النقب. ولم تكن تلك الرحلة بالأمر السهل، فقد سقطت فيها أرواح بعض أعضاء الوفد التركي، وفقد فيها أحد أعضاء الوفد الجزائري (النائب محمد ذويبي عينه)، وتحوّلت إلى مادة دسمة لمختلف وسائل الإعلام الدولية الثقيلة على مدار أيام متعددة، ونشأت إثرها أزمة دبلوماسية كادت تعصف بالعلاقات التركية الإسرائيلية. ولئن كتبت بعض الصحف عن بعض تفاصيل تلك الرحلة التي انتهت عند معتقل بئر السبع الذي يحيل على الأسفار التوراتية القديمة، والمحمل حد التشبع بالمدلولات الدينية في أرض الرسالات، التي يحاول الصهاينة المتطرفون جاهدين أن تكون حكرا على رسالة سماوية دون غيرها، لكن قيمة هذا الإصدار الجديدة تكمن في التفاصيل الدقيقة التي يُسرد بعضها لأول مرة. إنها مادة دسمة لكتابة تاريخ هذه الحادثة المرتبطة بوقائع مسلسل حصار غزة القاتل، وما مأساة ذلك الأسطول إلا حلقة من هذا المسلسل الطويل. ورغم تعدد صفحات هذا الكتاب، فإنه حافظ إلى النهاية على نقل كل التفاصيل، برؤية تكاد تكون مجردة، رغم أن صاحبها ولحظة الكتابة كان تحت تأثير ما حدث، وهو يواجه مرة خطر الموت عند الهجوم على الأسطول، ومرة أخرى خطر المصير المجهول وهو يزج به في معتقل بئر السبع وسط صحراء النقب، قبل أن يفرج عنه مع زملائه في الأسطول، وتم ترحيلهم أولا إلى الأردن مجردين من كل ممتلكاتهم بما فيها الأموال والملابس.