تتعرّض الخطوط والخزانات الكهربائية في الجزائر إلى قرصنة رهيبة وعشوائية من طرف المواطنين خاصة في المواقع السكنية الفوضوية، وهناك من الجزائريين من يعزف عن تسديد فاتورة استهلاكه للكهرباء، وهناك أيضا من يفرط في استعمال الطاقة الكهربائية دون حاجة، لكن هل هذه التصرفات يقوم بها معظم الجزائريين وفيها من الحدة إلى درجة عجز ''سونلغاز'' عن ضمان توزيع مستقر للكهرباء؟ لم تقل يوما هذه الشركة أن هذه التصرفات صادرة عن معظم الجزائريين، بل ورغم ما تسوقه من أرقام في الإعلام حول الكيلومترات المسروقة من النحاس وعن ''الكيلواطات'' المقرصنة، فهي تتحدث في الوقت نفسه عن استعدادها لتصدير الكهرباء إلى الخارج وعن قدرتها في تمويل كبريات المشاريع في الجزائر بالطاقة الكهربائية، كمترو الجزائر و''الترام واي'' ومحطات التحلية والتصفية وقطارات الضاحية، مما يعني منطقيا من جهة أخرى، أن تلك التصرفات لم تبلغ درجة التأثير على قدراتها الإنتاجية والتوزيعية، إلا بشكل ضئيل، ثم لماذا لا تكشف سونلغاز بالمقابل عن عدد شكاوى الجزائريين الذين يسددون فواتيرهم بانتظام، وقد أحرقت أجهزتهم الإلكترونية جراء الانقطاع المفاجئ والصادم للكهرباء، وعن عدد الجزائريين الشاكين من تضخيم فواتيرهم، لعدم مطابقة القيمة المالية لكمية الطاقة المستهلكة، وعن عدد من يُقطع عنهم الكهرباء خطأ، وعن عدد الكوابل والأعمدة التي قتلت الجزائريين وهي مهملة على الأرض دون تصليح· كذلك، لم تكن يوما أرقام سونلغاز عن القرصنة أو سرقة النحاس أو التهرب من تسديد فاتورات الاستهلاك، أكثر وقعا ورواجا وتأثيرا، من الانقطاع المتكرر الذي يسبب انزعاج كل الجزائريين، ذلك أن من يمارسون هذه التصرفات الخارجة عن القانون ليس معظمهم جزائريين، أولا، ثم إن المعنيين بها شئنا أم أبينا، هم نتيجة لعوامل اجتماعية اجتمع الكثير منها في تسبيبها لا تتحمّل ''سونلغاز'' وحدها نتائجها· التكنوقراطي شكيب خليل الذي يدير شؤون الطاقة في البلاد، لا يعرف لغة المجاملة، وقال صراحة إن ''سونلغاز'' إن لم تطبق التسعيرة الحقيقية للاستهلاك وتسترد ديونها لتمول مشاريعها بنفسها قد يدخلها إلى نفق مظلم يجعلها عاجزة عن توفير الكهرباء للجزائريين، وقد نلجأ إلى الاستيراد، وعند التكنوقراطيين الاقتصاديين ذوي التوجه الليبيرالي تزول الدوافع والخلفيات الاجتماعية لتحل محلها مصلحة المؤسسة· لكن نجد رغم جدية تصريحات الوزير ولغة الشكوى التي تعتمدها سونلغاز ضد الجزائريين الذين يسرقون طاقتها، نجدها تتحدث عن تصدير وضمان طاقة لكبرى المشاريع قيد الإنجاز أو المنجزة، مما يجرنا إلى التساؤل عن جدية هذا الالتزام في وقت تعجز فيه سونلغاز تموين مصباح في قرية من قرى الشلف أو واحة من واحات أدرار طيلة اليوم، بل حتى في العاصمة أصبح التوزيع هذا الصيف بالأدوار· ففي الضاحية الغربية مثلا، كان توزيع الكهرباء بين سطاوالي وزرالدة وعين البنيان والشراقة بالتناوب، فإذا اشتغلت الكهرباء في عين البنيان لن تكون كذلك في إحدى البلديات المجاورة، بل وكثيرا ما تسببت سونلغاز في متاعب لوزارتي الدفاع والداخلية في مشاكل، لخروج فرق الدرك والشرطة لتفريق شباب غاضب قطع الطريق وحرق المطاط لحرمانه من مشاهدة الفريق الوطني، وعلى سبيل المثال ما حدث مؤخرا في القليعة وقبلها في باب الزوار· وأمام هذه التناقضات يبقى رهان سونلغاز صعب المنال إن لم نقل مستحيل في خضم الظروف السائدة·